كانوا يلعبون في وقت الضحى في تلك البقعة النائية من الأرض بين النخيل الباسقة وخرير الماء يسلب ألبابهم لايكاد أحدهم أن يسمع إستغاثة الأخر فينجده إذا إنزلقت به الطين في مكان سحيق يلعبون ولايدرون أن الوقت سيلعب بهم وتارة تصم أذانهم فلا يسمعون سوى قصف الصواريخ السوفيتية التي ترجف القرية كصاعقة نازلة فتحلق الأخضر واليابس فيتيهون الأطفال ذهابا وإيابا لايرون إنسن ولاجان سوى أظلتهم . كان الصبية عاكفين في حوارهم الصغير تحت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ماذا نلعب وبما نلعب ولكنهم لايبقون ساعة أو ساعتين في هذا الحوار الطفولي البهيج إلا وتفرقهم رجيف المدافع وأزيز الصواريخ ثم إذا ركد الرمي تجمعوا أخرى يسمع الأولاد نقاش الأباء الساخن والحرب الضروس بينهم يقولون الهجرة الحل ثم يعارض أحدهم كيف نهجر أرضا سقتنا يوم منعنا الناس وأطعمتنا يوم جوعنا الناس ولحفتنا في البرد وأبردتنا في الصيف نحن لن نهاجر بل سنبقى وسنقاوم وبعد مراء طويل توافقوا وتواطؤ على الهجرة التي تبعدهم من الألم وشبح الموت الذي يوقظهم كل صباح وفي الدجى وفي الضحى . هاجروا إلى بلد لايعرف الإنزواء على ذاته ويحب الإنفراد بخيراته دون ذويه ولو كانوا في منى عن الأرض عنه رحب بهم وتشاطر معهم الرغيف والمأوى والكسوة لم ينفرد بقراراه دونهم ولم يحل دون رغبة من رغباتهم قط ترعرعوا في كنفه ونهلوا من علمه وتشاطر معهم الفرح وأما الحزن فحاول جاهدا أن يحمله على كاهله وعاتقه دونهم. كانوا يضمرون له الشر والكيد لأنهم يرون أنه جاهل متخلف لايستحق الخير وهم المتعلمون الذين يستحقون خيرات الأرض كي ينفقونها كيفما شأووا حتى وإن كانت على سحقه ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين بدأو بمخططاطتهم الشيطانية ونسج المؤامرات التي يتألم لها الشيطان وبدأ (وحي الظلام) يتنزل عليهم ويوحي لهم شرا مستطيرا بتدمير الإنسان والمكان ونشر الإلحاد والتفسخ وتحطيم القيم ودحر الفضيلة وظلت هذه الشرذمة تكيد وتكيد ولكنها لاتبرح مكانها وماتعلم مالسبب . إتجتمعت هذه الشرذمة وقرروا أن يلبسوها بثوب الإصلاح والرقي والتقدم وبناء حضارة تكون دليل على عالم الشهادة المحسوس ولكنهم فشلوا أيضا ومازال هؤلاء الناس يعقودن المؤتمرات الليلية لتمرير ماأرادوا ولكن لايفلح القوم الظالمون ..