يعاني بعض الأشخاص من انفصام مزمن في الشخصية أثناء التعاطي مع حقوق المرأة .. فرسميا .. يقول أن الإسلام كرم المرأة وأعطاها كامل حقوقها .. وفي الواقع .. يناقض ذلك القول اعتقادا وعملا . أحدهم سألته هذا السؤال .. ما هي حقوق المرأة في المجتمع المسلم ؟ فارتجل لنا بخطبة مدوية مليئة بالعبارات الإنشائية الرنانة .. أكلت ثلثي الوقت المتاح لنا في ذلك المجلس .عن حقوقها التي كفلها لها الإسلام .. وما ينبغي أن يكون عليه المسلم أثناء تعامله مع المرأة المسلمة .. وساق العديد من الأدلة القرآنية الكريمة .. والأحاديث النبوية الشريفة التي تدعم حديثه . ومن سمعه تلك اللحظة كبر وهلل على الطريقة المصرية قائلاً ( ربنا يفتح عليك يا شيخ ) . غير أني أعرف الرجل ، فقد سمعته في غير مكان وغير مناسبة يتحدث عن المرأة ( الحرمة ) ، بأسلوب ونهج مخالف عما أورده في المناسبة السابقة ، سمعته يتحدث بعفويته المجردة عن كل تصنع ، وبأريحية لا تكلف فيها ، فقد سمعته شخصياً وهو يسقط جملة مريبة بين ثنايا حديثه عن سبب وجوده في المشفى حينما قابلته ذات مرة ، جملة لا أعهدها تقال إلا مع الحيوانات و الأشياء المهانة .وهي جملة ( الله يكرمك .. حريم لهم مواعيد في المستشفى ) ، أتدرون من كن تلكم الحريم ؟ أمه .. حيث رأيته يدلف بها العيادة حينما أتى عليه الدور .. لا تقولون أنها حالة نادرة .. فقد قلت ذلك قبلكم إلي أن سمعتها مراراً وتكراراً في مجالس عدة ومواقف مشابهة ، لكن البيئة كانت مختلفة ، فالشيخ المتحدث كان في الشمال من المملكة ، والمواقف الأخرى تكررت في جنوب المملكة ، وبين البيئتين فرق شاسع جغرافياً وثقافياً ، لكنهم تواطؤا جميعاً على أن ذكر الرجل للفظ المرأة أو ( الحُرمة ) مجردة بدون ( أكرمكم الله ) يعد امتهان للمجلس والسامعين . ومن صور احتقار المرأة أيضاً ... عدم إقامة العزاء لها علنا لمدة ثلاثة أيام أسوة بالرجل .. .. مما يوحي بحالة التعظيم للرجل والتقزيم للمرأة حتى وان كانا ميتين . زد على هذا .. ما نراه بأنفسنا حين يجلس الولد في مقدمة السيارة وأمه في مؤخرتها بأمر من أبيه .. لأنه ذكر .. يجب تعظيمه .. حتى وإن كان ذلك التعظيم على حساب بره بوالدته . نكتب عن المرأة بلسان معسول .. ونتعامل معها في الواقع بلسان مسموم .. والعجيب ... لو تحدث أحدا عن حقوق المرأة في صحيفة ما أو وسيلة إعلامية أخرى ، فلن تقوم له قائمة .. حتى وإن كان حديثه وفق كتاب الله وسنة نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يبدو أن البعض يمزج الدين بالعرف والعادة حتى لا يكاد التفريق بينهما ... لدرجة أنك حين تطلب من أحدهم ترك العادات المتعارضة مع الشرع وصفك بالمتغرب أو الليبرالي .تلك المصطلحات التي تشبه القذائف المعدة للإطلاق في أي وقت ، ضد من يحاول التغيير في عبثيات العرف القبلي الجاهلي المقيت .. ومن تلك العبثيات .. ممارسة أنواع الظلم والعنف ضد المرأة .. سواء كانت زوجة أو أختا أو أما أو بنتا . وسلب ميراثها .. والاستيلاء على راتبها .. وعضلها .. والويل .. وكل الويل .. لمن يناصح أرباب العرف المقدس .. المتمسكين بأساطير الأولين .. حلالها وحرامها .. أو من ينادي بالحقوق .. وفي ثنايا حديثه لفظ ( حقوق المرأة ) يتركون كل عبارات النصح والأدلة والبراهين وقصص السيرة .. ليتوقفوا عند كلمة ( امرأة ) .. فلو استبدلت هذه الكلمة بكلمة ( رجل ) لذهبت عنه تلك التهم لا محالة .. أصبحت المرأة وحقوقها الشرعية التي أقرها لها الدين خطا أحمرا لا يسمح التحدث فيه .. تحدث عن أي شي ء إلا المرأة .. ومن تجرأ وتحدث عن هذا الموضوع فليعد العدة لسيل جارف من التهم والتصنيف والإقصاء . عبدالرحمن ظافر الشهري [email protected]