سامح الله أولئك الذين أخذوا جامعاتنا إلى جبال مرتفعة تعصمها عن حراك المجتمع وعواصفه وهمومه، فانصرفت إلى طلابها تدرسهم حياة أديب صيني، وطرق التعايش والتكاثر بين كائنات طفيلية.. وتركت مجتمعها يموج ويتحرك بمشاكله دون أن تتفاعل بإبداء مشاورة أو المساهمة بدراسة، وكأنها بنيت لتنأى بنفسها عن الناس وتنميتهم. قلت ذات مقال إن كثيرا من أساتذتنا الجامعيين لم يستطيعوا حتى اليوم أن يخرجوا من أسوار جامعاتهم ويتجهوا لتقديم استشاراتهم وخبراتهم وأبحاثهم السنوية إلى وطنهم.. بالفعل وليس بالقول فقط، ويتفاعلوا مع (يوم المواطن) ويسدوا له، وهم الدارسون لمختلف العلوم، مشورة تنفعه وتعينه. فرد علي كثير منهم وقالوا إنهم يستطيعون ذلك، وإن ما بين أيديهم من شهادات معتبرة إنما كانت لأجل الخروج بالجامعة من حرمها إلى المصانع والمستشفيات والمزارع والأسواق والشوارع لتمارس دورها الفعلي، ولكن: ثمة من وضع الجامعة في صندوق وأغلق عليها، ثم يريد لها أن تبقى كذلك. يقول لي بعض من أراد مغادرة محيط جامعته، بخطوتين إلى مجتمعه: لدينا الكثير لنفعله للناس، وإن العلم الذي تعلمناه لسنوات في أعرق جامعات العالم لم يكن هدفه أبدا أن يبقى حبيس القاعات. كنا ولا نزال نريد أن نعطي علما وعملا للتنمية، فهي تحتاج إلى الكثير. ولكننا محبوسون داخل الصندوق. وبالطبع فهؤلاء هم بعض البعض. أما البعض الآخر فقد آل إلى اليأس منذ زمن وانهمك في مشاغله ونسي من حوله، والبعض الثالث لا تهمه أصلا تلك الأفكار ولا يفكر أبدا في أن تهمه. عودوا إلى ما تناقشنا حوله وتجادلنا في الصحف والشوارع والمكاتب مما يخص مجتمعنا ومشاريعنا وصحتنا وتعليمنا.. وباختصار: كل ما يتعلق بيومنا كمواطنين. وانظروا كيف نأت (الجامعة) وأعني أي جامعة، عن ملامسة المعضلات ومواجهة غبار الأزمات، ومرة أخرى: بالفعل وليس بالكلام. وللأسف فإن دورها المغيب تباشره اليوم مؤسسات استشارات أجنبية ندفع لها الملايين ومع ذلك لا يزيد ما تقدمه على الذي تملكه الجامعات. الفرق أن المشورة الأجنبية تفتقر إلى الخبرة بالشعب والقرب من الجذور والأصول والارتباط بروح المواطن وتراثه، وهذا ما جعلنا نعيش وكأننا في صدام مع التنمية. [email protected]