... مقولة \" الرجل المناسب في المكان المناسب \" لم تأتي من فراغ ، فمن الطبيعي ألا تعني مفردة \" مناسب \" الصفات الشخصية فقط للموظف ، بل أن من الأوفق ألا ينظر للصفات الشخصية كالصفات القيادية إلا بعد التخصص العلمي والأكاديمي وبخاصة في مجال العمل القيادي مهما كان موقعه من السلم الوظيفي \" من القاعدة إلى رأس الهرم التنظيمي \" ، والسبب أن التخصص العلمي والخبرات العملية السابقة غير المتوافقة مع العمل القيادي لا بد أن تؤثر سلبا على إنتاجية الموظف أو المسؤول حتى لوكان شخصية قيادية كاريزمية .. ونحن ما زلنا نسير عكس الاتجاه في مجال ثقافة التخصص في عصر التخصص . فلدينا المهندس مديرا ووزيرا ، والطبيب مديرا ووزيرا ، وذو الخبرات غير المتلائمة مع الإدارة مديرا ووزيرا ، وخريج قسم المختبرات الطبية مديرا ومديرا عاما ليس على قسم المختبر بل ربما تجده مديرا في إدارة الطرق أو الزراعة أو البلدية ، وربما تجده متعاونا مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !!وهذا بفضل اختطاف ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) من مكانها الطبيعي وتفريغها من متطلباتها الأساسية ومن أهمها التخصص العلمي والخبرات العملية في مجال الدرجة الأكاديمية.. ليس هذا فحسب ، بل هناك تداخل عمل كثير من الأجهزة الرسمية ، وعلى سبيل المثال تداخل عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع جوانب من مهام أجهزة الأمن العام ، وأن اعتقد البعض أن المنحرف قد يجد نفسه في هذه الحالة أمام عدد من الجهات المسؤولة فإن نجا من واحدة لم ينج من الأخرى . إلا أن الحقيقة أن ذلك مما يؤدي إلى مزيد من الارتباك والتداخل وربما الاعتماد أحيانا .. على أن الأعقد من التداخل هو التعدد .. تعدد الجهات ( المعنية ) و( اللوائح المرعية ) أمام المواطن أن أراد شيئا واحدا .. بناء منزل خاص به مثلا ، ومع \" التعدد \" يأتي دور الزمن الذي يحوله من عداء ماراثوني في البدء إلى \" حبّاء \" يستنجد وسيطا ، حيث تتقطع أنفاسه ركضا وهرولة ثم \" حبيا \" وقيل حبوا على \" الرُكب \" ! رغم أن مدة \" السباق \" قصيرة جدا لا تزيد بأي حال عن ثلاثين عاما لأنه مواطن ( عادي ) ! .. وتبدأ نقطة الانطلاق من البلدية شرقا إلى صندوق التنمية العقارية غربا إلى المكاتب الهندسية جنوبا إلى المكاتب الشرعية شمالا إلى الكهرباء ذات الشيم والإباء وفق تحديد قوقل أيرث!! وفي هذا السياق أذكر أن مواطنا لا يملك من أل(3 مليون كم2) مترا وحدا في إطار المصلحة العامة رغم أن دينه الإسلام الذي يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والمنفعة العامة على ما يضر بها من المصالح الفردية الخاصة التي أقرها الإسلام لئلا يكون العهد إقطاعيا ولا رأسماليا يقوم على الفردية .. المهم أن صاحبنا ( المواطن ) حينما تعب من التمارين الصباحية وقد بلغ من العمر عتيّا أتجه للأحياء التي لم تخطط تخطيطا رسميا معتمدا وبعضها يسمى \" عشوائية \" فاشترى قطعة أرض بدون صك شرعي ثم أقام عليها منزلا شعبيا وبعد انتهائه رفضت شركة الكهرباء تزويده بالتيار الكهربائي فأضطر أن يبيعه بثمن بخس ليشترى أو يستأجر - لا أذكر – في نفس الحي منزلا آخر مزود بالكهرباء ، ولما لم يفرح به بعد بدأت شركة الكهربائي معه بعادتها في الحي .. قطع التيار الكهربائي مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع ، بل أحيانا مرتين في اليوم الواحد ! وظل على هذا الحال ، وفي كل مرة يتساءل – في نفسه طبعا – يا شركة الكهرباء ما علاقتك بالبلدية ؟ ألستُ مواطنا يدفع قيمة استهلاكه من الكهرباء دون تأخير.. ؟! ألم يكن هذا تداخلا لا تبرره ( المخططات !) ؟!. المهم أن صاحبنا ( المواطن ) جمع أبنائه ذات ليلة مُقمرة وقال : يا أبنائي : هذا الملف العلاقي الأخضر به رقم ( المنحة ) ! وبه رقم القرض في صندوق القرض . راجعوه .. تابعوه ، فرغم أنها - أي منحة الأرض – من المؤكد أن تكون في وادي غير ذي زرع إلا أن أفئدة من الناس قد تأوي إليها في عصر أبناءكم الذين هم أحفادي .. يا بعد تسبدي ! [email protected]