على الرغم من وعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن يغير استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية "قواعد اللعبة" بالنسبة للولايات المتحدة فمن غير المرجح أن يلجأ سريعا للخيارات العسكرية وسيرغب في أن ينضم إليه الحلفاء في أي تدخل. تتراوح الخيارات العسكرية الممكنة بين ضربات صاروخية لمرة واحدة من السفن - وهو من بين السيناريوهات الأقل تعقيدا - وبين عمليات أكثر جرأة مثل فرض منطقة حظر طيران. ومن أكثر الاحتمالات بغضا من الناحية السياسية إرسال عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين للمساعدة على تأمين الأسلحة الكيماوية السورية. ويعارض أوباما حتى الآن اتخاذ خطوات محدودة مثل تسليح مقاتلي المعارضة لكن الضغوط التي تواجهها الولاياتالمتحدة للانخراط في الحرب التي تشهدها سوريا زادت منذ أن أعلن البيت الأبيض يوم الخميس أن من المرجح أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد قد استخدم أسلحة كيماوية. بعد أن خاضت القوات الأمريكية حربا في كل من أفغانستان والعراق أصبحت وزارة الدفاع (البنتاجون) تتوجس من أي انخراط أمريكي في الصراع السوري. وقال الجنرال مارتن ديمبسي كبير المستشارين العسكريين لأوباما في الشهر الماضي إنه لا يرى خيارا عسكريا امريكيا "تكون له نتيجة مفهومة" في سوريا. وقال مسؤول أمريكي كبير لرويترز "هناك العديد من التحليلات التي يتعين إجراؤها قبل الوصول إلى أي قرارات كبرى من شأنها دفع السياسة الأمريكية أكثر في اتجاه الخيارات العسكرية." ويمكن فهم هذا الحذر في ضوء تجربة العراق حيث خاضت الولاياتالمتحدة الحرب استنادا إلى معلومات غير دقيقة عن وجود أسلحة دمار شامل. وأطلقت وزارة الدفاع الأمريكية تحذيرات متكررة من المخاطر الجسيمة والقيود التي تحول دون استخدام القوة العسكرية الأمريكية في الحرب السورية. ومن أشكال التدخل العسكري التي ربما تحد لدرجة ما من مشاركة الولاياتالمتحدة وحلفائها في حرب سوريا توجيه ضربات لمرة واحدة تستهدف قوات الأسد أو البنية الأساسية المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيماوية. وفي ظل وجود الدفاع الجوي السوري ربما يختار المخططون العسكريون إطلاق صواريخ من السفن. وقال جيفري وايت وهو مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع وخبير بشؤون الشرق الأوسط وهو الآن زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "الرد الأكثر ملاءمة (للاستخدام المحدود للأسلحة الكيماوية) هو ضرب الوحدات المسؤولة سواء المدفعية أو المطارات." وأضاف "سوف تظهر للأسد أن هناك تكلفة لاستخدام هذه الأسلحة.. المشكلة حتى الآن هي أن النظام لم يتكبد أي ثمن جراء ممارساته." وليس من الواضح كيفية رد الحكومة السورية وما إذا كانت ستحاول الرد عسكريا على القوات الأمريكية في المنطقة. كما أن التدخل العسكري الأمريكي سيغضب روسيا التي لها قاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري. ومن الخيارات الأخرى أن تبحث وزارة الدفاع الأمريكية إقامة مناطق آمنة للأغراض الإنسانية ويكون الهدف منها ظاهريا مساعدة تركيا والأردن وتتضمن أيضا فرض منطقة لحظر الطيران لا تدخلها القوات الجوية السورية وهو خيار يفضله بعض أعضاء الكونجرس مثل السناتور جون مكين من ولاية أريزونا. وسيتضمن هذا الخيار القضاء على الدفاع الجوي السوري وتدمير المدفعية السورية من مسافة معينة خارج منطقة حظر الطيران لحمايتها من النيران. ويقول المدافعون عن هذه الفكرة إن فرض منطقة آمنة داخل سوريا بامتداد الحدود التركية على سبيل المثال سيتيح المساحة اللازمة لمقاتلي المعارضة ويسمح للغرب بزيادة الدعم لمقاتلي المعارضة الذين يمكن أن تتحرى عنهم. لكن كما حذر مسؤولون منهم وزير الدفاع تشاك هاجل فإن مجرد وجود منطقة آمنة سوف يربط هذا الولاياتالمتحدة أكثر بالصراع السوري. كما أنه من شبه المؤكد أن الأسد سيكون له رد فعل. وقال بروس ريدل وهو محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.إيه) وخبير بشؤون الشرق الأوسط في معهد بروكينجز "بمجرد فرض منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة هذا يعني المضي في طريق منحدر زلق.. تزيد المهمة صعوبة وقبل أن تعلم يصبح لك قوات على الأرض." ومضى يقول "أو ينتهي الحال بك كما حدث في ليبيا حيث لا توجد بالفعل آلية سيطرة على لعبة النهاية في حالة حدوث فوضى في نهاية الأمر." كما أن الجيش الأمريكي أتم التخطيط لتأمين الأسلحة الكيماوية السورية تحت سيناريوهات مختلفة بما في ذلك سيناريو سقوط الأسد وتفكك قواته مما يجعل مواقع الأسلحة عرضة للنهب. وتخشى الولاياتالمتحدة أن يسيطر مقاتلون إسلاميون مناهضون للأسد على صلة بتنظيم القاعدة على الأسلحة الكيماوية لكن التدخل الأمريكي في سوريا للحصول على الأسلحة سيتطلب وجود عشرات الآلاف من القوات الأمريكية هناك. وعندما سئل ديمبسي عما إذا كان واثقا من أن الجيش الأمريكي بإمكانه تأمين مخزون الأسلحة الكيماوية السورية قال للكونجرس "ليس وأنا أجلس هنا اليوم.. ببساطة لأنهم يحركونها وعدد المواقع هائل حقا." وقال أوباما يوم الجمعة إنه سيسعى إلى تعبئة المجتمع الدولي فيما يتعلق بسوريا بينما يحاول تحديد ما إذا كانت القوات الموالية للأسد استخدمت الأسلحة الكيماوية. وأوضح مسؤولون بريطانيون وفرنسيون منذ فترة طويلة أن بلديهما ربما تكونان على استعداد للانضمام إلى أي إجراء تقوده الولاياتالمتحدة في ظل ظروف ملائمة. لكن هاجل حذر الأسبوع الماضي من أنه "لا يوجد حاليا توافق دولي أو إقليمي حول دعم التدخل العسكري." وأصيبت تركيا التي كانت من أكبر المتحمسين للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا بالإحباط بسبب تفتت المعارضة السورية وعدم اتفاق المجتمع الدولي على كلمة سواء. استبعد اندرس فو راسموسن الامين العام لحلف شمال الأطلسي أي تدخل عسكري غربي وحذر الاميرال الأمريكي جيمس ستافريديس القائد الأعلى لقوات الحلف في الشهر الماضي من أن الحلف سيكون في حاجة إلى اتفاق في المنطقة وبين أعضاء الحلف وكذلك قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو ما يبدو غير مرجح في ظل المعارضة المحتملة من روسيا والصين. وركزت وزارة الدفاع الأمريكية على مدى العام الماضي على تنسيق التخطيط الدفاعي بشأن سوريا بما في ذلك مع بريطانيا وفرنسا وكندا. كما أنها تعزز وجودها العسكري في الأردن من خلال توجيه أوامر لنحو 200 من المخططين العسكريين بالتوجه إلى الأردن للتركيز على السيناريوهات المختلفة بشأن سوريا. وستكون هذه مجموعة أفضل لتنسيق أي عمل عسكري أو إنساني من الفريق العسكري الأمريكي المتخصص الذي كان موجودا من قبل في الأردن. والتقى أوباما بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض يوم الجمعة وتوجه هاجل إلى الأردن الأسبوع الماضي إلى جانب اسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة. وقالت منى يعقوبيان وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية والآن خبيرة في الشؤون السورية في مركز ستيمسون في واشنطن "أصبح واضحا بشكل متزايد أن إدارة أوباما تشعر بأن عليها ضغط للتصرف." وتابعت "لكن من المرجح أنها ستسعى (الادارة الأمريكية) إلى أمرين.. وجود دليل دامغ ودعم أو مشاركة من أطراف متعددة في أي إجراء تختاره.. وهو ما أعتقد أنه سيكون محدودا.. ضربة جوية ذات هدف محدد."