في الوقت الذي ترتبط فيه أسباب الإصابة بأمراض عدة (تهدد الصحة العامة في الغالب) بنوعية مياه الشرب التي يستهلكها الإنسان في حياته اليومية، أكد مسؤول في صحة البيئة في محافظة الطائف زيارة محطات معالجة المياه مرة واحدة خلال أشهر عدة إن لم تكن أطول من ذلك. وأضحى الاستثمار في الماء مجالاً مؤكداً لتحقيق الهامش الربحي إذ لا يكاد يخلو شارع في محافظة الطائف من وجود مصنع تكرير لمياه الشرب وتقديمها للمستهلك، بل تجاوز الأمر ذلك إلى تخصيص مركبات تبحث عن المستهلك قبل أن يبحث هو الآخر عنها توفر له المياه إلى باب منزله. وإلى جوار أحد المصانع التقت بالمواطن علي الحارثي وقد ارتسمت علامات الشيخوخة على ملامح وجهه، وقال بنبرات صوت مليئة بالتفاؤل: «أعيش في العقد السابع من عمري وأتذكر الثمانينات الهجرية، إذ عايشت مجتمعاً بسيطاً من «البدو الرحل» اعتمدنا في حياتنا على شرب مياه الأودية والآبار مباشرة من دون الحاجة إلى المعالجة التي طرأ ت في السنوات الأخيرة كإفراز للعصر الحديث». وأبان: «هناك مصطلحات ظهرت أيضاً يتداول تهديدها للإنسان ولا أعلم مدلولها، كالاحتباس الحراري وطبقة الأوزون إلا أن ما يشاع أرى أنه لم يحظ باهتمامي وأرغب في إكمال المتبقي من عمري منعماً في بساطتي الثقافية». ولفت العم (الحارثي) إلى أن الأمراض المزمنة التي شكلت المياه أحد أهم مسبباتها في صفوف الجيل المعاصر لم تكن مألوفة آنذاك. وأضاف: «أتردد بصفة دورية وقوفاً عند رغبة أولادي للتزود بالمياه التي تقدمها المصانع للزبائن وعلى رغم ذلك فإن ثقتي لا تزال مهزوزة إلى حد ما». والتقط الحديث المواطن عبدالرحيم الزهراني، الذي أشار إلى أن أسراً عدة لا تستطيع توفير الكلفة المادية لجلب المياه من تلك المصانع التي تزعم جودتها، ولم تجد مخرجاً ليس لمجاراة الآخرين بل لوقاية أفرادها من الأمراض سوى تسخين كميات من مياه الخزانات الأرضية للمنازل إلى درجة الغليان وإعادة تبريدها واستخدامها للشرب. وفي السياق ذاته، كشف رئيس قسم صحة البيئة في الشؤون الصحية في محافظة الطائف محمد النفيعي رصد مخالفات عدة في تلك المصانع أثناء الجولات الرقابية التي تنظم بصفة دورية للتأكد من صلاحية المياه للاستهلاك الآدمي. وقال: «نحيل من نضبطه من هذه النوعية إلى «أمانة الطائف» لاتخاذ الإجراءات والعقوبات النظامية تجاهه»، موضحاً أن من ضمن المخالفات وجود عماله لا تتقن التعامل مع الآلات، لا سيما حال تعرض إحدى المحركات المهمة في عملية المعالجة لعطل يؤثر في أداء دوره، ما ينعكس على جودة المياه، خصوصاً المدة الزمنية بين الزيارة والزيارة الأخرى للمحطة الواحدة تستغرق أشهراً عدة. وفي الإطار ذاته، أكد أحد العاملين في المحطات المتخصصة في معالجة المياه عبدالعظيم السيد أن غالبية مصادر المياه من الآبار الواقعة خارج محافظة الطائف، مبيناً أن مياه الآبار الموجودة داخل المحافظة اختلطت بمياه الصرف الصحي. وتابع: «تتولى آلات خاصة عبر ثلاث مراحل معالجة مياه الشرب يليها العرض للبيع، أولاها مرحلة «الفلتر الرملي» إذ يتم سحب الشوائب والصدأ تليه تصفية الماء من الأملاح إلى الحد الطبيعي 120درجة، وأخيراً مرحلة الفلاتر القطنية والإخراج النهائي». وزاد: «نحن مجرد عمالة ندير آلات فقط، لا نعلم ماذا يدور بداخلها، أما جودة الماء فهذا أمر لا يعنينا والمسؤولية في الدرجة الأولى تقع على عاتق المستثمر». وأفاد أن من أراد التلاعب في هذا الجانب وتجرد من الأمانة الملقاة على عاتقه فأمامه مساحة من الوقت لتحقيق أهدافه المادية على حساب صحة الناس، إذ إن الجولات الرقابية نشاهدها بين الحين والآخر. بدوره، أوضح مدير العلاقات العامة والإعلام والمتحدث الرسمي في «أمانة الطائف» إسماعيل إبراهيم أن مدينة الطائف يوجد بها عدد محدود من مصانع تحلية ومعالجة المياه التي تنقل المياه عبر صهاريج إلى المواطنين ويتم تطبيق اللائحة والاشتراطات عليها بدقة، مشيراً إلى أن هناك اشتراطات خاصة بمراحل المعالجة لمياه الشرب، وفي هذا الصدد، قال: «تنص لائحة وسائل نقل المياه على استخدام سيارات نقل المياه لتوزيع المياه بعد معالجتها كيميائياً وتقليل ملوحتها إلى منافذ الاستخدام المختلفة وفقاً للطلب». وأكد إبراهيم أهمية المحافظة على المياه طوال فترة النقل وأثناء التوزيع والتفريغ، إضافة إلى ضرورة توافر الاشتراطات في وسيلة نقل المياه بحيث تكون مطابقة للمواصفات والحصول على ترخيص من «الأمانة» وكتابة اسم المحطة وعبارة (نقل مياه صالحة للشرب) ورقم الترخيص وتاريخه بخط واضح على جانبي السيارة، كما يلزم كتابة عبارة (مياه صالحة للشرب) على خلفية السيارة، إلى جانب التعريف بحمولة السيارة باللتر ورقم الترخيص. وشدد على المنع التام للسيارات التي تنقل المياه الصالحة للشرب بنقل أي نوع آخر من المياه، ملمحاً إلى وجود تجهيزات خاصة لسيارات نقل مياه الشرب، إضافة إلى أن العاملين على هذه السيارات يلزمهم الحصول على شهادات صحية، كما يتم أخذ عينات دورية من المياه وإخضاعها للفحص بغية التأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المقررة في المختبرات النظامية.