اعترف الكاتب بصحيفة الجزيرة د. خالد محمد باطرفي أنه ظلم أبناء منطقة القصيم حينما اختار تلقي أخبارها وواقعها من الناس دون أن يتأكد بنفسه ككاتب إعلامي مشيرا في مقال كتبه بالصحيفه بعنوان ( قصيمنا هل ظلمناه) إلى أن الإنسان القصيمي يعد انموذجا لباقي المناطق بانفتاحه وحبه للخير ونبذه للفساد والرشوة ومتابعته للمشاريع بكل أرجاء المنطقة وتطبيقها على الأرض .. الكاتب باطرفي كتب منهيا زبدة حديثه بعد أن زار المنطقة ضمن وفد قافلة الأعلام السياحي (الأحرى أن نغبط القصيم على روح المواطنة والشفافية والنزاهة فيها، وأن نقتبس منها) قصيمنا هل ظلمناه ( نص المقال)- في لقائنا نحن أعضاء قافلة الإعلام السياحية مع صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر، أمير منطقة القصيم، قلت له: لقد فاجأتنا القصيم يا طويل العمر، وعلمنا درساً إعلامياً وثقافياً لا يُنسى. فقد تكاسلنا واعتمدنا على ما يُشاع عن هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا في المجالس من تشدُّد وتزمت ديني واجتماعي وثقافي، فإذا بالمنطقة تقابلنا بغير ما توقعناه. فخلال زيارتنا للجمعيات الخيرية وأنشطة الأسر المنتجة، ومنها جمعية «حرفة» في بريدة، اكتشفنا أن هذه الجمعيات تتقدم غيرها في بقية المناطق نضوج تجربة وإبداع منتوج وسخاء عطاء، وأن الوعي لدى المرأة القصيمية إدارية ومستفيدة أنموذجٌ يحتذى، حتى أن وفداً من الإمارات زار الجمعية للاستفادة من خبرتها. أتمنى أن تُصدَّر مثل هذه التجارب كما يُصدَّر التمر المبارك؛ فكل المناطق بحاجة إليها. المفاجآت لم تتوقف هنا؛ فمما يُشاع عن أهل القصيم شدة الحرص. والحقيقة أن ما لمسناه من كرم وحفاوة في هذه الرحلة يعادل أفضل ما لقيناه في رحلاتنا السابقة لبقية مناطق المملكة، ويتفوق في جانب مهم: المشاريع الخيرية. فرجل واحد، الشيخ سليمان الراجحي، يتبرع بأكثر من نصف ثروته (تُقدَّر بأكثر من ثمانين بليون ريال) وقفاً لأعمال الخير، وأخوه الشيخ صالح - رحمه الله - بثلث ماله، والشيخ محمد السويلم يبني طريقاً دائرياً في البكيرية، ويوقف مشاريع على أعمال الخير، والمشيقح والسبيعي والجفالي وغيرهم من أثرياء القصيم يتسابقون في إنشاء المستشفيات والجامعات والجمعيات الخيرية. ليس هذا أمراً جديداً؛ ففي بداية عهد الملك سعود - رحمه الله - قبل أكثر من نصف قرن جمع أهل القصيم ثلاثمائة ألف ريال، تعادل اليوم ثلاثين مليوناً على الأقل؛ لينشئوا مستشفى باسم الملك، فأبى غفر الله له، وبناه على حساب الدولة. وبدلاً من أن يعيد القصمان ما جمعوه إلى المتبرعين أقاموا بالمبلغ مشاريع خيرية تكافلية. واليوم يعم خير القصيم البلاد والعباد، ويفيض إلى المناطق الإسلامية المنكوبة خارجها؛ فمزارع التمور، وعلى رأسها مزارع الأمير سلطان - رحمه الله - توزع منتجاتها في الحرمين، وعلى كل جمعية خيرية في المملكة، وتصل إلى المبتعثين والمراكز الإسلامية خارجها، وتطعم اللاجئين في سوريا والأردن وفلسطين. والأسر الفقيرة من خارج القصيم تفر إليها لتلقي التدريب والتوظيف والمساعدة. ومشاريع الاستثمار والتوظيف والدعم تتوزع في مناطق ومدن المملكة كافة. القصيمي يقتصد في إنفاقه على نفسه، ثم ينفق ما جمعه على وجوه الخير. أي كرم هذا؟ وأي أريحية؟ لو فعل مثلهم نصف تجار البلاد، أو حتى دفعوا ما عليهم من زكاة مستحقة، لما بقي في البلد فقير. ثم هناك تهمة الانغلاق الفكري. وقد يكون هذا صحيحاً في بعض الحالات، التي لا تخلو منها أي منطقة، حتى في المدن الأكثر انفتاحاً كمدينة جدة. ولكن كل من التقينا بهم كانوا على غير ما توقعناه ثقافة وتفتحاً وتسامحاً وتقبلاً للرأي الآخر. لحظت أن كل لقاء وكل مناسبة، حتى ولو كانت إفطاراً، تبدأ بوجبة ثقافية؛ فقامات الفكر والثقافة كالرحالة الشيخ محمد بن ناصر العبودي، والدكتور حسن الهويمل، والأستاذ محمد المشوح، والعلماء والأدباء يفتتحون الحوار في كل شأن، ويثرون المجالس بأحاديث شيقة في التاريخ والرحلات والملح والنوادر، كما يهادونك في كل ديوانية كتبا مفيدة في كل علم. وديوانياتهم بالمناسبة تجدها في كل المناطق والمدن، كالزغيبي والبسام والخريجي والحمدان والهويش في جدة، مفتوحة للجميع، ومنفتحة على كل المعارف والعلوم، طالما التزمت بالأدب والخلق والدين. أما عن ارتفاع نسبة وجودهم في المواقع والمناصب الحكومية فهذا صحيح، وهو - طالما لم يتحقق بالواسطة المنبوذة - أمرٌ مشرِّف. فمن بلدة القرعاء الصغيرة فقط خرج عشرات من أصحاب المعالي والسعادة في الوزارات والقطاعات العسكرية والأمنية كافة. وتفوُّق القصمان منذ قيام الدولة السعودية لم يتوقف على القطاع العام فحسب، لكنهم أثبتوا وجودهم في القطاع الخاص الأبعد عن تهمة الواسطة؛ فمن البنوك إلى التجارة والزراعة والصناعة والسياحة نجد منهم كبار المؤسسين والقيادات والمساهمين. أما في علوم الدين والقضاء فالقصيم، وبريدة والبكيرية خصوصاً، خرج منها كثير من العلماء والقضاة وطلبة العلم، وإن غلب على بعضهم التشدد، كما غلب على غيرهم في مناطق ومدن أخرى؛ فالتفوق انعكاس للحالة الثقافية والاجتماعية التي تميل إلى التدين وتعظم من شأن علوم الدين. ومما يقال أيضاً إن مشاريع القصيم تحظى بدعم خاص لتحيز أصحاب المناصب من أبنائها لها، ويستشهدون بمشاريع الطرق، وأن بريدة وعنيزة مثلاً ترتبطان بأربع طرق سريعة، على الأقل، فيما جدة ومكة المكرمة بطريق واحد فقط. ويردُّ من التقيتهم بأن السر يكمن في انخفاض نسبة الفساد الإداري والمالي في القصيم. ولعل هذا صحيح؛ فالمجتمع القصيمي ينبذ المرتشي، ويحتقر الرشوة. وأضيف بأن القصيمي مواطن من الدرجة الأولى، يطالب بالمشاريع، ثم يتابعها ويراقبها، ويشارك بحماس في تنفيذها. ويساهم أثرياؤه بعد ذلك في استكمال ما نقص منها، بدليل أن الشيخ محمد السويلم أنشأ طريقاً دائرياً لبلدته البكيرية على حسابه الخاص، وقام الراجحي بإنشاء جامعة ومستشفى في البلدة نفسها، وكل هذه مشاريع بلدية وتنموية، وليست خيرية فحسب. في جدة أنفقت الدولة عشرات البلايين في مشاريع لم تنفَّذ أو نُفّذت منقوصة أو معيبة، كمشروع الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، والسر في غياب المزايا القصيمية. الأحرى أن نغبط القصيم على روح المواطنة والشفافية والنزاهة فيها، وأن نقتبس منها. د. خالد محمد باطرفي