نعى الداعية الإسلامي الشيخ أبو إسحاق الحويني على الحضارة الغربية المادية المفرطة التى تسيطر عليها، مشددا على أن الحضارة في الأخلاق لا في الطائرات ولا في ناطحات السحاب. وقال: إن المنطقة الملتهبة الآن في العالم المسماة بالشرق الأوسط (الشام الجزيرة مصر) هي أشرف بقعة على وجه الأرض، فعليها نزلت الكتب، ومنها خرج الرسل وجعل الله في أرضها من الخصائص ما يكفيها بل ما يجعل العالم كله محتاجًا إليها. وتحدث الشيخ أبو إسحاق الحويني في محاضرته بعنوان "ماذا جرى لنا معاشر العرب؟!" خلال الملتقى الرمضاني السابع الذي تنظمه دائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي تحت شعار "غرس الإسلام" بخيمة الطوار الرمضانية عن الانقلاب الذي وقع بالعرب فأحدث هذا التخلف والتقهقر، مقدمًا لمحاضرته بخصائص الشخصية العربية قبل الإسلام ومقارنًا بينها وبين الواقع المعاش، وبين كيف استطاع الرسول أن يبني دولة في عشر سنين؟، وسر الهجمة على الرسول، وحلل أسباب التخلف وسبيل النهضة الحقيقي. وقد بدأ برنامج اليوم العاشر للملتقى الرمضاني السابع بخيمة الطوار الرمضانية بمحاضرة تثقيفية لشرطة دبي حول الاستراتيجية العامة للمرور للحد من الوفيات قدمها الملازم محمد القيزي من القيادة العامة لشرطة دبي. أعقب ذلك إلقاء خطيب الأمة لخطبته، ثم أشار الشيخ أبو إسحاق إلى أنه من سنن الله الثابتة أن تغيير النعمة لا يكون إلا بسبب الجحود، وذكر أن "ما" وردت مرتين في قوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الأولى منهما هي المصائب والعقوبات، والثانية هي المخالفات، وإن الله لا يرفع مصيبة عن قوم حتى يرفعوا المخالفة التي أحدثوها، ثم دلف إلى القول إن الله عز وجل أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أمة من الهمج فهداهم إلى عبادة الله وحده وبنى لهم دولة نافست أعظم دولتين آنذاك. وتساءل ما الذي جرى لنا معاشر العرب وقد شرفنا الله بالإسلام؟ وقدم للإجابة عن هذا بمقدمة بين فيها أن من ثمار الحكمة أن يراعى مقتضى حال المخاطب أو أن ينزل النص الصحيح على الوضع الملائم فما يوعظ به الغني لا يوعظ به الفقير وهذا ما نلحظه في قصة قارون فلم يقل له قومه تخلّ عن مالك أو ازهد في الدنيا وإنما ابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، بخلاف الإمام أحمد بن حنبل فإنه يسهل عليه الزهد ففي محنة خلق القرآن قال لعمه وقد نصحه أن يقول بخلق القرآن عرضت نفسي على السوط والنار فوجدتني لا أصبر على النار، يا عم ما السجن وبيتي إلا واحد، وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إني لأعطي العطاء لرجال وأدع من هم أحب إليّ منهم أكلهم إلى إيمانهم، وهؤلاء الصحابة كانوا يتمنون أن يأتي الرجل من البادية ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عوضًا عنهم. ثم أعقب هذه المقدمة تناول الشيخ الحويني لخيرية العرب على الأمم الأخرى؛ إذ بين أنهم أشرف جنس على وجه الأرض لما يحملونه من خصائص المروءة والكرم، وركز على أن الكلام على جنس العرب لا الأفراد فإن من هؤلاء الأفراد من يحمل من الأخلاق والاعتقادات إذا ما مات عليها ولم يتب فقد يكون مصيره إلى النار. وأكد الشيخ الحويني أن المنطقة الملتهبة الآن في العالم المسماة بالشرق الأوسط (الشام الجزيرة مصر) هي أشرف بقعة على وجه الأرض، فعليها نزلت الكتب، ومنها خرج الرسل وجعل الله في أرضها من الخصائص ما يكفيها بل ما يجعل العالم كله محتاجًا إليها، وهذا الجنس لا بد أن يعيد بهاء الدين وليس هناك جنس يفعل ذلك، فماذا الذي جرى؟ وعارض الشيخ الحويني ما يدور على بعض ألسنة بعض المفكرين من أن الإسلام سيسترد عافيته ويعود إلى الحياة من بلاد الغرب، مستندين إلى حديث "لا تقوم الساعة حتى تخرج الشمس من مغربها..." وبين أنه استدلال غريب لأن الحديث في الفتن، وقرر أن الإسلام لن يعود جديدًا إلا من بلاد العرب. وطاف الشيخ على أحوال العرب قبل الإسلام؛ لأنه كما قال إذا لم أعلم خصائص الجنس كأني أخاطب آذانًا صمًّا، وبين أن العرب كانوا كأرض مهملة ثبتت فيها أشجار الشوك وعاثت فيها الحيات والأفاعي فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم نظفت وأثمرت، وذكر أن من خصائص العرب أنهم لا يبيتون على الضيم فعندهم عزة وأنفة، وكانوا يوالون أهل المروءة وهم أحفظ الناس لعهد فإذا غدر المعاهد أدبوه، فالذل بالحر أسمج، ولكن كان فيهم مقابل ذلك من الجهل أضعاف ذلك فقد أنفقوا 80 سنة في حربين بسبب فحل وناقة. ثم تساءل ماذا فعل الإسلام بهم؟ وذكر أن هذا يتبين من موقف المغيرة بن شعبة رضي الله عنه تجاه كسرى عندما سأله من أنتم؟ فقال المغيرة نحن قوم من العرب كنا نعبد الشجر والحجر وإذ نحن كذلك بعث الله إلينا رسولاً من العرب نعرفه، أمرنا أن نعرض الإسلام أو الجزية، ونحن بين أمرين من مات منا دخل الجنة ومن عاش ملك رقابكم، فقال عامل كسرى: أنتم يا معشر العرب ليس فيكم خير، فقال المغيرة كلام حق حتى بعث الله فينا نبيًّا، وهذه قصة الهجرة إلى الحبشة وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: كنا قوم جاهلية نعبد الأصنام ... ونسيء الجوار ويأكل القوي الضعيف وكنا على ذلك حتى أرسل الله إلينا نبيًّا. ومن هذه الأمة التي تعيش على هامش التاريخ بإزاء الفرس والروم، لا يذكر لها خبر، وفي غضون عشر سنين قامت لهم دولة يخشاها الفرس والروم، فكيف استطاع الرسول ذلك؟ وأجاب الشيخ الحويني إن الذي يجمع العرب هو الدين فالعرب جنس غريب لا يصلحه إلا الدين، وإذا غرق في الشهوات لا يفيق منها ويتنقل من شهوة إلى أخرى بعكس الغربيين الذين يرتكبون الفواحش ومع ذلك يعملون ويتقنون، فهذه خصيصة من خصائص الجنس العربي. وشدد على أن الحل لعودة العرب إلى القيادة من جديد هو إغلاق باب الشهوات، وبين أن الرسول والصحابة تحملوا الأذى والعذاب حتى نزل قوله تعالى "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، فهذا بلال يعذب، وسعد بن معاذ سيد الأوس يعتدى عليه بالقول وهو يطوف بالبيت، ففترة الابتلاء فترة تمحيص فالنار لا تزيد الأصل إلا صلابة. وأشار الشيخ الحويني إلى أن نار الشهوات احترقت عند الصحابة رضي الله عنهم فكانوا لا يعرفون غير حب الله وحب رسوله، وهذا أعظم مقومات النصر عند الصحابة وهو الجيل الذي لا مثيل له، فترى المقداد يغضب ممن قال له "طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو رأيناه ما كنا تركناه يمشي على الأرض، فيقول ألا تحمدون ربكم لقد كفيتم البلاء فمن يأمن لو كان موجودًا منكم أن يكون كأبي جهل مثلاً، ثم إنه ينسب التقصير إلى الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، وهم خير القرون. ثم ذكر أخلاق الصحبة الحقيقية فذكر المقداد أن الجوع بلغ منهم مبلغًا عظيمًا فعرضوا أنفسهم على الصحابة فلم يجدوا عند أحد شيئًا فكان أن عرضوا أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذهم فكانوا يحلبون أربع أعنز ويشربون وللنبي شراب أيضًا، فشرب المقداد نصيب الرسول ثم جاءه الشيطان بعد أن أغواه بهذا الفعل فقال له الآن يوبخك ويدعو عليك فجعل المقداد لا ينام حتى أتى الرسول وسلم سلامًا يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم ولم يجد اللبن وقال المقداد الآن أهلك، وقال الرسول اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني، فهمّ المقداد بذبح واحدة للرسول فذهب فوجد ضرعها مليئة باللبن فأتى به إلى الرسول فقال هل شربتم ويكررها والمقداد يقول اشرب يا رسول الله، وسقط المقداد على قفاه من الضحك فقال الرسول إحدى سوءاتك يا مقداد، وقال المقداد حتى علمت أني أخذت بركة دعائه فأخبره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هذه رحمة من الله هلا أيقظت صاحبينا فأصابا ما أصبنا، وقال الشيخ الحويني هذه هي الصحبة الحقة. ونعى الشيخ الحويني على الحضارة الغربية المادية، وشدد على أن الحضارة في الأخلاق لا في الطائرات ولا في ناطحات السحاب، فحاتم الطائي يرى طفلاً يضرب كلبة فيقول له يا بني لا تضربها فإنها تدل الضيفان عليّ، وهذا الفضيل بن عياض يبين ضرورة اللجوء إلى الله، فيقول لأحد الناس إذا سرت وخرج عليك كلب الغنم ماذا تفعل؟ فقال له أرميه بحجر، فإذا أعاد الكرة قال ما العمل؟ فقال الفضيل استعن برب الكلب، فهو يعني هنا استعن بالله على الشياطين. واستغرب الشيخ الحويني من الذين يقاومون من يدعون إلى الزهد، لأن الزهد في الحقيقة لا يعني زهد ما في اليد بل هو زهد القلب، وكثير من الناس لا يعرفون الطريق إلى مكة أو المدينة على حين تمتلأ بهم ساحات المدن الأوروبية، فمما يساعد على إغلاق باب الشهوات زهد القلب، وتوجيه المال والصحة إلى ما ينفع في الدنيا والآخرة معًا، فهذا العبد الذي صح جسده ووسع رزقه تمضي عليه خمس سنين لا يفد على الله في بيته محروم في الدنيا والآخرة فالعمرة كفارة والحج المبرور كفارة، فتصير الدنيا في ايدينا لا في قلوبنا. وتساءل أين خصائص الجنس العربي من الأنفة ورفض الضيم فهذا العربي تأبط شرًّا أحد الشعراء الصعاليك قبل الإسلام نذر ألا يشرب الخمر حتى يأخذ بثأر خاله بقوله "ما يطل" وقد كانت "عقدته ما تحل". وعرج على قضية سب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولماذا حدثت وهذا هو المعتصم يسير جيشًا ويغزو عمورية ثأرًا للمرأة التي رفع اليهودي طرف ثوبها فظهرت عورتها حتى إن المعتصم ترك الكأس التى كان يهم أن يشرب منها إلى حين عودته. فما الذي أغراهم بهذا؟ وأجاب أن لهم لجانًا متخصصة تدرس وتحلل، وقد رأوا الدين في بلادنا يهان فسهل عليهم فعل ذلك. وتساءل ماذا فعلنا واليهود الآن عروا ملايين النساء ببيوت الأزياء والموضات التي تتغير من عام إلى آخر، وقال إنها صرخات لم توافق نخوة "معتصم". وختم بأن العرب، كما قال ابن خلدون في الفصل 27 من مقدمته، لا يصلحون إلا بالدين، فلا بد من الرجوع إلى الدين وإغلاق باب الشهوات حتى يتحقق نصر الله الموعود.