امتلئ التاريخ العربي والعالمي منذ زمن بأقوال الحكماء وتصرفاتهم والحديث المطول عنهم حيث الاعجاب بطريقة تعاملهم من النوائب والمحن وتقلبات الحياة ومفاجأة الزمن وحلولهم للمشاكل المستعصية والعوارض الصعبة ونظرتهم العميقة والدقيقة للحياة وما بعدها . خروجهم من الأزمة سهل ونظرتهم للأمور فيها تعقل وبصيرة , عندما يتحدثون يَسمع لهم الجميع ويُنصتون باهتمام حيث الطرح الموزون والعبارات المؤثرة والحقائق الدقيقة واليقين المتدفق . يقترب منهم الناس ليلتمسوا لحياتهم نوراً ورشداً فهم اناس ينعمون بعقلية راجحه ونظرة بعيدة وقراءة لما بين السطور ومعرفة لعواقب الامور وتجليات الأحوال و الاقوال فهم خير من يدرك متى الإقدام ومتى الإحجام . يعرف الأمام ابن القيم الحكمة "بأنها فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي" ظلت قضية الحكمة تأسر قلوب الناس حيث أن الله امتدح أهل الحكمة في أكثر من موضع ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهي صفة حميدة وقيمة غالية يسعى لها كل إنسان مهما بلغ من العمر أو المكانة والمنزلة . ولكن الغالب يعتقدون أن الحكمة فطرية فقط ولا يمكن اكتسابها وتعلمها وهذا في نظري خطأ شائع فهي عبارة عن مجموعة من القدرات والامكانيات والمهارات الروحية والعقلية والنفسية التي تتفاعل مع بعضها لتخرج لنا سلوكاً رشيداً ورأياً سديداً ومنهجاً موفقاً في الحياة والأعمال والعلاقات . ولعلي هنا أطرح بعض الافكار حول قضية الحكمة ورغبة البعض منا في تعلمها واكتساب الخير الكبير من ورائها فنحن نعيش في عصر الحكمة ولا شك فالمفتقد لها خسر كنزاً عظيماً والمتحصل عليها ظفر بالغنيمة المقيمة طوال العمر . 1 – أكثر من القراءة والاطلاع على تجارب السابقين واللاحقين ففيها الكثير من الدروس والعبر والأفكار والرسائل التي تستطيع استثمارها في حياتك واعمالك . 2 – جالس اهل الحكمة والعلم والتقوى وكبار السن وقيادات المجتمع وأصحاب التجارب والعصاميين والمكافحين ورواد الابداع والامتاع وسوف تجد لديهم ما لا يوجد في أمُهات الكتب . 3 – استفد من جميع التجارب السابقة واعتبارها دروساً لتتعلم منها وليست مخالباً تقطع فيها نفسك بالتحطيم وجلد الذات والنظر الدائم إلى الماضي . 4 – تأمل سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وسوف تجد فيها الكثير من عبق الحكمة وحسن التصرف وجمال العبارة وعمق التفكير وسلامة التدبير . 5 – تفكر في أحوال الناس وممارساتهم وراقب السعيد والناجح والمتوازن وليكن قُدوتك وتجنب كل متخبط في حياته ضائع في وجهته . 6 - عندما تسافر فلا تغفل أن تستفيد من كل ما هو أمامك من ثقافات الشعوب الاخرى وأعمالهم وممارساتهم وعلاقاتهم وتفاصيل حياتهم الصغيرة فلكل مجتمع مميزات ونقاط قوة فظفر بها وانقلها لمن حولك للفائدة فهناك الكثير والكثير من الدروس والعبر التي تكون أمامك بشكل تلقائي وبسيط في السفر والترحال . 7 – عندما تكون امام النوائب والمصائب والضغوط قلل من انفعالك فهو معطل للتفكير وحاول أن تحافظ على سلامك الداخلي قدر المستطاع حتى تتمكن من التفكير والتحليل واتخاذ القرار ثم الخروج بالحلول والمخارج . 8 – كن مرنا ً في الاعتراف بالخطأ فالمتكبر لا يتعلم ولا يرتقي في الحياة بل يظل في مكانه لأنه اغلق عقله وترفع على العلم والخبرة والتجارب . 9 – فليكن فرحك بالنقد والنصيحة كفرحك بالمدح والاشادة خصوصاً أذا خرجت من محب فهي كالبلسم الذي يرتقي بمسار حياتنا إلى عالم الجمال والكمال . 10 – تأمل وتدبر في كل ما حولك من تصرفات الاطفال والجهال والمجانين وحتى سلوك الحيوانات , وتعلم من كل تراه وليكن درسك كل يوم فلا كبير أمام العلم إلا المتغطرس المنفوخ من الخارج والفارغ من الداخل . 11 – صَاحب أهل الصلاح و العقل والرشاد والخبرة وعمق علاقاتك معهم فالصاحب ساحب كما قيل والمرء على دين خليلة ومنهم سوف تكتسب الكثير وسوف ترتقي في الدرجات وتعلوا في المرتبات . 12 – أكثر من الدعاء بأن يلهمك الله الحق والصواب والبصيرة وأن تكون من اهل الحكمة والرشد وأن يجنبك الغي والبغي وسوء العاقبة . 13 – اعترف بأوجه القصور الطبيعية لديك وقومها بالاستشارة والاستفادة من اهل الخبرة والمعرفة وسوف تكون على خير بأذن الله . محبرة الحكيم مع تسارع وتيرة الحياة وتنوع صنوف العمل و العلاقات نحن بحاجة إلى الحكمة أكثر من أي وقت مضى لأنها الترياق الذي يشفي من العلة . تأصيل قال الله تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ( البقرة : 269 ) سلطان بن عبدالرحمن العثيم www.salothaim.com @sultanalothaim