نيوكواي هي قرية ساحلية في أقصى الجنوب الغربي من ويلز وتبعد عن العاصمة كارديف قرابة الثلاث ساعات ونصف، بعدد سكان لايتجاوز ال 2000 شخص!!! أليس من الغريب أن يكون لديهم مطار؟ ألأشدُّ غرابة أن يكون هذا المطار حديثا مزودا بكل أساليب الراحة والتقنية الحديثة وكل هذا من أجل خدمة قرية صغيرة. فلا أعتقد أن المسؤول عن بناء هذا المطار خطر بباله أن يقول لأحد معاونية (مازحا) "يارجال كله قرية وماحد داري عنك ليش كل هالكلافة". كُتب لي أن أذهب هناك وأن أصادف موقفاً لن أنساه ماحييت. كانت رحلتنا والمتوجهة من تلك القرية إلى العاصمة لندن تقلع في الساعة الحادية عشر صباحا، وكما هو معتاد فالرحلات الداخلية تتطلب منك الحضور بساعة على الأقل. قُدر لتلك الرحلة أن تتأجل قرابة الساعتين أي أن تقلع في الساعة الواحدة ظهرا. لم أكن أعلم عن هذا التأجيل وأستيقظت مبكرا لألحق بالرحلة في موعدها المحدد. عَلمتُ بعد وصولي إلى صالة المطار أنهم أتصلوا بي كثيرا ولم يجدوا تجاوبا, كما أنهم أرسلوا إليّ عدداً من الرسائل النصية والإلكترونية. كان رقم الهاتف المخزَّن لديهم مغلقا كما أنني لم أتصفح البريد الإلكتروني في ذاك الصباح (وقد تعلمته درسا). لم ولن أنسى موقف موظفة الخطوط عندما عرفت بمجيئنا و أننا لم نكن نعلم بتأجيل تلك الرحلة. كأنما صعقت وبدأت بالتأسف وراحت تبحث عن هذا الخلل كيف لم تُبلّغوا بهذا التأجيل، وهي تردد "كيف يحدث هذا". عَلِمتْ أخيرا أن الهاتف كان مغلقا وأنهم أرسلوا الكثير من الرسائل لتبليغنا، لكنها بالمقابل ظلَّت تتأسف لنا من أجل انتظار الساعتين!! وراحت ترشح لنا أفضل الأماكن للجلوس في هاتين الطويلتين. قد يكون تأخير ساعتين بالنسبة لهم كبيرا، فوقت (الإنسان) لدى مطار هذه القرية ثمين. لم تكن تعلم هذه المسكينة أننا في مطاراتنا معتادون على إنتظار الخمس والست ساعات ومن غير إبلاغ أو أي إعتذار بل على العكس "شينة نفس" وأيضا "جايزن لك والا رح لبيتكم". هذا الموقف جعلني أتساءل لماذا ساعتين هناك مع تبليغ وإجتهاد وفي النهاية تأسف وإعتذار و "حشمة" و على النقيض هنا الساعات الطوال وغلظة وشدة؟ إنها وببساطة الإنسانية. الإنسانية التي وصل إليها الغرب بعد مئات السنين من الثورات والتحولات الفكرية بالتعامل مع الفرد على أنه "إنسان" بغض النظر عما يحمله هذا الفرد من شكلٍ أو لونٍ أو معتقد. هي تلك نفسها بل أفضل وأنجع منها التي جاء بها رسول الهدى عليه أفضل السلام قبل أربعة عشر قرنًا وتحمل في طيتها العدل والتسامح ومراعاة مشاعر الناس في أي مكان وتحت أي ظرف لكنها مع الأسف نُسيت و(دُثرت) في زمننا هذا. روي في الصحيحين في حديث أبي هريرة "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ , وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ"، هذا في الصلاة عمود الدين وهي التي تصل العبد بربه وتقربه منه أُمر بالتخفيف ومراعاة حاجات الناس فمابالك بأمور الحياة الإعتيادية فهي من باب أولى. فقلت "ياليت قومي يبصرون". سليمان العمرو [email protected] http://twitter.com/#!/sulaimanamro