الحقيقة أني لا اعرفك معرفة شخصية ، وانت لا تعرفني معرفة شخصية ، وليس مهماً أن يعرف بعضنا بعضناً لأن من نعرف أقل بكثير مما نعرف ،لكنني عرفتك من خلال قصة ذكرتها إحدى الحاضرات لمداخلة لطيفة منك في الحوار الوطني الأخير قالت نقلاً عنك : أنك كنت ذاهباً للعمل وكان يتطلب منك عملك بشكل يومي أن تلبست " البشت " كزي رسمي لهذا المنصب الذي تواجه به الناس والمسؤولين ، وأثناء قيادتك لسيارتك رمى أحدهم علبة مرطبات في الشارع أمامك فنزلت من سيارتك والتقطت علبة المرطبات من الشارع ووضعتها في سيارتك باحثاً عن أقرب سلة للنفايات بالشارع ولكنك لم تجد حتى وصلت للوزارة فنزلت ومعك العلبة تبحث عن سلة مهملات تضعها فيه فتجد ان صاحب السيارة التي رمى العلبة قد تبعك حتى الوزارة وأخذ العلبة منك في موقف مؤثر .. وتضيف : أنك قلت ، أنك استفدت من هذا الموقف اشياء كثيرة ، أولها كسرت حاجز الكبر في نفسك بأنك نزلت من سيارتك والتقطت العلبة حتى لا تتضخم ذاتك وهذه تربية لك ، والأخرى أنك منعت الأذى في هذه العلبة الملقاة في الشارع ، والأخرى أنك اكتسبت احترام الناس من حول ومما رآك في اشارة المرور تلك ، وألأخيرة أن الرجل الذي القى العلبة رآك فصار درساً له .. هذه القصة ، عرفتني عليك فشكراً لك ، فبعض القصص تروي لنا حياة الرجال وتعرفنا بهم دون أن نقابلهم .. فلك مني جميل التقدير والمحبة دون أن أعرفك أو ألتقيك .. ولعل هذه القصة مدخلاً جميلاً في التأثير في المجتمع من باب العمل والأثر الحسن ، وليس أجمل من كثرة الكلام إلا عظيم الفعل فهو له نصيب الأسد في التأثير في الناس ، إننا بحاجة لكسر حاجز كثرة الكلام والإنشاء ، إلى تعظيم الفعل والعمل وتحويل الأفكار العظيمة إلى افعال عظيمة ، فهذا المقال لا يجدي شيئاً إن لم يكن صاحبه يفعل ما يقوله فيه ، ولا تنفع قصصنا وحكايتنا وتوجيهاتنا لأبنائنا وتلاميذ مدارسنا إن لم يكن الأباء قدوة حسنة ويكون المعلم صورة جميلة للأبناء والتلاميذ ، إنها التربية بالعمل ، والأثر بالمشاهدة ، والحضور بصدق النية المنعكسة على جمال العمل لا بتزويق الكلام لمجرد الكلام ! عبدالحليم البراك