قبل أن نغوص في الموضوع ينبغي التنبيه على أن المثقفين السعوديين ليسوا توجه واحد وحتى في التوجه هم مستويات لذلك التعميم غير وارد هنا. بالعودة لموضوع مثقفينا أو فئة منهم أرى أن منبت المشكلة لدى المثقف السعودي تكمن وتتمركز في الهوية، هناك حالة لدى هؤلاء شبيهة بحالة انفصام الشخصية, ( شيزوفرينيا ) "حيث يظن المصاب به أنه شخصية ما ، وشخصية أخرى تماما في حين آخر " (موسوعة ويكيبيديا) طبعا لا أقول أن بعض المثقفين السعوديين مصابين بهذا, ولكن هو تشبيه من وجه وليس من كل الوجوه. يعيش هؤلاء المثقفين في حالة تخبط بين ما يؤمنون به مما تحتويه بعض كتب الفلسفة والتنوير وخاصة أئمة التنوير الأوربي, وبالمقابل الواقع الاجتماعي الممارس في اليوم والليلة. بعض المثقفين يستطيع أن يفصل الحالة الفكرية عن الحالة الاجتماعية ويتعايش مع الواقع الوطني (الإسلامي), الغير مرضي له فيجامل تارة ويفصح أخرى, أما البعض الأخر فيخلط بين الفكر والواقع, ليعيش حالة تململ وعدم رضا ويرى في الأوطان البعيدة متنفسا, يريد أن يذهب هناك ولكنه لا يستطيع العيش إلا هنا،فلا يبقى أمامه إلا مجابهة الواقع الوطني(الإسلامي) بأطروحات غريبة دائما ومعقولة أحيانا. هذا ما قصدته بحالة الهوية, بحيث يكون القلب والعقل يعيش حالة البعيدين, والجسد يمكث هنا في اللامرغوب, وهو بهويته المتذبذبة أمام عدة خيارات: الخيار الأول: أن يذهب بجسده إلى حيث قلبه وعقله, ولكن هناك صوت في آخر أعماقه، ينادي قد تغير أفكارك، وقد يصلح الحال ،قد... وقد... إنه الصوت الذي يجعله ينادي بأن تخلع المرأة كل مظاهر سترها, ومع ذلك يمنع أهله من امتطاء ذلك، هي والله أعلم الفطرة المتكدسة على مر القرون داخل الماهية الاجتماعية للإنسان المسلم. والخيار الثاني: أن يعود العقل والقلب إلى حيث نبتا, إلى مجتمع الخير الذي وإن أصابه شي من الكدر إلا أنه قابل للتحسن والسير من جديد إلى حيث الأمل المنشود، لكن جرعة من الهوى والشك كبيرة، إلتقمها عقل وقلب ذلك المثقف، تمنعه أحيانا من الرجوع. والموفق من وفقه الله. والخيار الثالث: المراوحة حيث كان, لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, في موقف من عدم اليقين بالثوابت المتكدسة: الشرعية, الاجتماعية, والعرفية, موقف يؤمن بالحرية ولكنها حرية منفلتة لا توصل إلى يقين, والحرية كما يقول صلاح الصاوي (ينبغي أن تسير بين الثوابت الشرعية والثوابت العرفية فلا تخترقها), لأنها في هذه الحالة سوف توصلنا إلى اللاثوابت وبالتالي إلى اللاهوية. لكن هناك وارد. كيف يمكن لنا التعامل مع هؤلاء, وخاصة الشباب منهم؟ في رأيي إنه الحوار والهدوء وإخفاء الكروت الملونة, والصبر, لأن الحالة الإسلامية أقوى حجة من أي حالة أخرى لكن مشكلتها أنها لم تجد محامين أقوياء يترافعون عنها. سليمان عبدالله الغنيم كاتب سعودي [email protected]