وجه جاد إلى درجة التجهم ، وعين تنظر بحرارة وحزم ، ووجه لا يحمل أي تعبير .. هذه ليست صفات عسكري يقف في نقطة أمنية بل هي الصورة الغالبة للرجل الجاد في ذهنية المجتمع !! قد تتفق معي في هذا ، لكن إن كنت لا تعتقد ذلك فابحث في كل صورك الشخصية وانظر إلى تعابير وجهك ، غالباً ستجد نظرات باردة خالية من التعبير ، ووقفة مستقيمة ، ووجه صامت لا يشبه الصورة التي ترسمها لنفسك في مخيلتك ، إن كنت قد لاحظت ذلك فالصور هي تعبير عما نحن عليه غالباً لأننا في الصور نحاول أن نتخذ وضعية مثالية – بحسب ما يمليه عقلنا الباطن - فنبدو بلا روح وبوجوه تخلو من الابتسامة .. ومع أن الحديث المرح ، وبسط الوجه ، ولطف التعبير ، بل وحتى الطرافة المهذبة هي قبل أن تكون ثقافة إنسانية وقيمة عالية التقدير هي قبل هذا معنى إسلامي رفيع الشأن عالي المكانة . إذن لماذا نبدو في مساجدنا وأسواقنا بل وحتى عندما نسترق النظر إلى من حولنا عند الإشارات نبدو متجهمين ، وعندما نتحدث مع الآخرين أو في المجالس العامة نحاول أن نظهر بخلاف حقيقتنا ؟ لماذا يتجنب بعض الناس رفع الكلفة وبساطة الحديث ويحاولون أن يتقعروا في اختيار الكلمات ، بل ويغيرون من نبرة الصوت تحسباً من أن يظهروا كبسطاء !! من الذي قال لنا إن الضحك فعل معيب ؟ هل نحن شعب يحاول أن يخفي قلة الجدية في العمل ، وضعف الإنجاز ، و خلل السلوك خلف مظهر الجدية ؟ أم أنها الثقافة الاجتماعية التي جعلت من المزاح والمرح والدعابة نوعاً من السفه والخفة ، وصورته على أنه سلوك لا يليق بالعقلاء ؟ وهل نحن ضحية أعراف اجتماعية أعلت من شأن العيب ، وحثت الفرد على تجنب الانتقاد إلى درجة أنه ولد في داخل كل منا مشروع منافق اجتماعي يقدم نفسه على الدوام في صورتين متنافرتين حد التناقض ؟ بالنسبة لي شخصياً لا أتفهم لماذا يغير الشخص نبرة صوته عندما يتحدث إلى والده أو والدته أو زوجته في الهاتف وكأنه ليس الشخص نفسه الذي كان يتحدث بسلاسة ويروي الدعابات الجميلة و يلقي التعليقات الطريفة بين أصدقاء العمل أو الاستراحة .. حتى من يحتلون مكانة دينية أو وظيفية سيكونون أكثر قدرة على إحداث التغيير والتأثير في من حوله و النفاذ إلى محيطهم عندما يتخلون عن هالة الوقار المصطنع التي يجللون أنفسهم بها ويتعاملون مع الآخرين منطلقين من بشريتهم وسلوكهم الإنساني الطبيعي ، فليس من لوازم المكانة العلمية أو كونك رئيساً أن تكون متجهماً أو صارماً في وجهك أو عباراتك . إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا، فكن نفسك ( قف كما أنت ورتل سورة النسف على رأس الوثن .. ) أكسر الصنم الذي رسمته لنفسك ، وتخلص من عباراتك القديمة ، عش كما أنت ، أطلق العنان لروحك المرحة ، لا تتخل عن عفويتك بأي ثمن .. قد يختلف معي كثيرون ، لكنني أتألم عندما أسمع أحدهم يقول لطفله : كن رجلاً .. تصرف كالرجال .. ، وكم أتمنى عندها أن أقول لهذا الطفل : أياك أن تغير خلق الله ، كن طفلاً كما خلقك الله ، فإن كان الله رب الناس قد رفع عن عاتقك ثقل التكليف فلا تسمح للبشر أن يربطوك بقيد العبودية لفكرة لا معنى لها ؟؟ إنني لا أدعو إلى أن نتحول إلى أمة من المهرجين ، أو أن نتحول إلى شعب يحترف الضحك والقهقهة ، لكن بين كل طرفين هناك منطقة وسطى يقف عندها العقلاء وتدركها الفطر السليمة والنفوس الحرة . إنها فقط دعوة لمزيد من طلاقة الوجه ، ولين اللسان ، ونشر الابتسامة ، والتخلي عن الجمود والملل ، وأن نحاول التخلص من الصورة النمطية التي رسمناها لأنفسنا . خاتمة : بعض الأفكار والأمثال القديمة ليست قرآنا ، ربما تكون مثالية في ظروف وحاجات زمن عاشه آباؤنا وأجدادنا .. لكن أفكارنا يجب أن تعبر عن حاضر نعيشه، لا عن ماض نعتز به .. أحمد بن عبد الله أباالخيل [email protected]