الغرق الذي أعنيه هنا ليس الغرق بمعناه الحسي أو الطبيعي وهو الغرق في ماء البحر أو ماء مستنقع وغيره ومن بعد ذلك الوفاة ، بل أعني به الغرق في مستنقعات من نوع آخر ،وتلك المستنقعات تتعدد وتختلف من صحيفة لأخرى، وإن كان أغلبها يعاني من كل تلك المستنقعات التي تتراوح هي أيضاً من حيث العمق والخطورة ! ومن تلك المستنقعات : ( الإقصائية ) التي تدَّعي كثير من الصحف أنها تحاربها وتنبذها أي تحارب الإقصائية ، فهل هي تحارب الإقصائية حقيقة ؟ ما أقبح أن ينهى المرء عن أمر وهو يأتيه بل ويتفنن فيه ، ويزداد القبح وتتعاظم البشاعة عندما يفعل هذا الفعل مَن يمسك بزمام الأمور في مجال أو محيط إعلامي أيا ً كان ، ومن ضمن هذه المجالات وأكثرها تحديدا ً مجال الصحف . فالرأي مايرونه هم وأما الرأي الآخر فلا نراهم يسمحون به ، حتى وإن كان الرأي الآخر هو الرأي الغالب ويمثل الأغلبية الساحقة . هذه الصحف ورؤساء تحريرها وكُتَّابها المَرضي عنهم يُمسون ويصبحون وهم يشتكون ويتهمون مخالفيهم بالإقصاء وأنهم المقصَوْنِ ، وهم في الحقيقة هم المقصُوُنَ لغيرهم ، فما تقول لمثل هؤلاء إلا : لاتنه عن خُلق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ . ومن المستنقعات أيضا ً : مستنقع التسطيح الذي تتبعه وتنتهجه تلك الصحف ، وهو تسطيح له صور مختلفة ، ومنها إفراد صفحات عديدة للرياضة والفن وما يقال إنها صفحات ثقافية ، وهذا لايعني أنني أقلل من قيمة الرياضة والثقافة ، بل أن مايخصص من صفحات لهما لايتناسب مع قيمة مايُعرَض فيها ، فأغلبها أخبار أو مقالات وتعليقات هامشية جداً أو ضحلة ، هذا من جهة . والتسطيح يظهر بصورة أخرى لاتقل أثرا ً وضررا ً عن سابقتها وهي : تخصيص أعمدة وزوايا لكُتاب لايقدمون شيئاً محسوسا ً للقارئ بقدر ماهم يملأون تلك المساحات المخصصة لهم إما بهرطقات وفلسفات تعاني من أنيميا ثقافية حادة ، أو كتابات لاتلامس حاجة القارئ وتتحسس همومه أو تشبع نهمه لمعلومة من هنا أو هناك ، فنرى كاتبا ً لايتورع عن ( سرد حكايات شعبية) لاتسمن ولاتغني من جوع ، ونرى آخر يكتب وكأنه عضو في هيئة كبار العلماء وهو قد لايفرق بين أركان الحج وواجبات الحج ... وهلم جرى ! ومن المستنقعات التي تهدد صحف الورق بالغرق : مستنقع عدم اتباع منهج الشفافية والمكاشفة التامة عند تناول أخبار وزارات ووزراء أو مسؤولين في الدولة ، فلا تُنقل إلا الأخبار التي تبين المحاسن والمحامد ، ويتم تجاهل السلبيات والأخطاء ، فالتجاهل لتلك السلبيات صغيرها وكبيرها للمسؤولين صغاراً وكبارا ً مدعاة لاستمرارها ، وهذا ماأفقد تلك الصحف المصداقية لدى أغلب القراء ، وماذا يبقى إن فُقِدت المصداقية ؟! ماسبق من مستنقعات وغيرها مما لايسع المجال لذكره ، لاشك أنها ستؤدي في النهاية إلى السقوط في المستنقع الأخطر الذي قد يؤدي إلى التوقف والزوال ، وأعني به مستنقع (المقاطعة ) ،الذي بدأت علاماته بالظهور وبقوة ، ولاأدل على ذلك من إعلانات تلك الصحف عن تخفيضاتها الخيالية للاشتراك فيها ، تلك الاشتراكات التي تجعل سعر النسخة أو العدد منها قريباً من نصف الريال !! تلك التخفيضات ليست لأجل سواد عيون القارئ بل لبقاء آلاف النسخ من تلك الصحف في مراكز ونقاط البيع حتى المساء (رجيع ) ، ولشراسة المنافسة التي تواجهها من الصحف الإلكترونية ، فلكل مسؤول في الورقيات أعني الصحف الورقية ممن لاتسره تلك المقاطعة بل تحزنه وتؤلمه نقول له : يداك أوكتا وفوك نفخ . إن الصحف الإلكترونية تتنافس في النجاحات ، بينما الصحف الورقية تتنافس في الخسائر والإخفاقات. ولعل من أبرز عوامل نجاح الصحف الإلكترونية: استقطاب أفضل الكُتاب ، والشفافية والمصداقية في أخبارها وتقاريرها احتراماً منها لقرائها . عبدالله بن إبراهيم بن حمد البريدي [email protected]