تهرب الموظفين من مسؤوليات العمل لصالح رضا المدير يتسبب في تضجر المراجعين تهافت كثيرون أخيرا لتهنئة عدد من المسؤولين تولوا مهام في بعض الإدارات، فيما بات الشغل الشاغل لعدد من الموظفين التعرف على «مياه المدير». البعض يتخوف من مغبة المدير الجديد، وما إذا كان في مقدمة أعمال خطة واضحة للتغيير، ربما تأتي بآخرين، وتبعد الأقربين. من هنا ربما تبدأ محاور خطة الاستغلال، في إطار الوقوع في فخ المصلحة الخاصة، دون الاهتمام بالمصلحة العامة، فالمحسوبون على المدير يبالغون في الإطراء له، ويتمادون في العمل معه، إلى الدرجة التي يحولون فيها وقت عملهم العام إلى وقت عمل خاص لمجاملة المدير، سواء في إطار خطة الحفاظ على القرب منه، أو محاولة التزلف في الاقتراب منه. البعض يقترب من أجل المصلحة العامة، سواء للمدير الحالي أو القديم أو الجديد. هم يقولون إنهم على ثقة بأن الاقتراب من المدير، يمثل لهم الضمان من الانتقام، الذي يأتي بأكثر من صورة. وهم يتخوفون من أن رفض أوامر المدير، وإن كانت في اتجاه خاص، لا يقترب بصلة بالعمل العام، ربما يجعلهم في دائرة التقارير الخاصة التي «تحط من تشاء، وترفع من تشاء». في المسافات البعيدة الفاصلة بين العمل العام والخاص، يملؤها الكثير من الموظفين، سواء كان الراغبون أو غير الراغبين، الكل يحاول الوصول إلى رضا الوزير، دون الاهتمام إلى الشكل العام لوظيفته، حتى السعاة والعمال يعتقدون أن المدير يجب أن يمتلكهم، لأنهم كما يصف البعض «يعملون له»، ويتناسون أنهم يعملون معه، في إطار مصلحة عامة، فمن تراه السبب في تغيير المصطلح، وهل العامل بات يتعامل بهذا الأمر، من منطلق الخوف فقط أم من منطلق رغبة المدير في اتباع عنصر التكليف أحيانا والتخويف في أحيان أخرى، بما يشبه التعامل بما يعرف اصطلاحا بسياسة «العصا والجزرة»؟ وإذا كانت المملكة بدأت فعليا خطوات إصلاحية فعالة من خلال القرار الملكي بإنشاء هيئة وطنية تتبع الديوان الملكي، مهمتها المراقبة العامة، وقبل ذلك، وجود العديد من الجهات الرقابية التي تعمل على حماية المال العام في المقام الأول، والحفاظ على العلاقة في محيط العمل لصالح المواطن في المقام الآخر، بلا تعد على جانب بعينه، فلماذا الخوف إذن، ولماذا التمادي في التخويف، أم أنه بات سمة الضعفاء أو المتسلقين من الموظفين؟ عمل خاص تحول ما يعرف ب «سطوة المدير»، إلى سهام أوامر لبعض الموظفين، فيخرجون من مقار الإدارات الحكومية لإنجاز الأعمال الخاصة للمدير أو الرئيس المباشر، سواء إحضار الأبناء من المدرسة، أو شراء احتياجات المنزل، وتوصيلها، أو إصلاح سيارة المسؤول. «شمس» حملت السؤال البارز بحثا عن إجابة، للتعرف على ما إذا كان الأمر مجرد حالة فردية، أم أنه ظاهرة، فكان الملاحظ أن بعض الموظفين في عدد من القطاعات الحكومية، لم ينفوا علانية هذا الأمر، لكن مديري ذات الإدارات نفوا بشدة. استغلال سلطة كشفت بعض المصادر أن مسؤولا يرأس إحدى الدوائر الحكومية، استغل قبل أيام سلطته على عدد من صغار الموظفين في إدارته في غير وقت العمل، وذلك عندما دعاهم لحفل زفاف إحدى قريباته لتنفيذ مهام هامشية في الحفل لا تمت للإدارة بصلة. وعلمت «شمس» من مصادرها الخاصة أن أحد الموظفين ذهب للحفل بعد دعوته من المسؤول بالحضور وارتداء ملابس العمل الرسمية «ذهبت على اعتبار أن الحفل خاص بالإدارة ففوجئت بوجودي وسط حفل زفاف خاص، ومهمتي تنظيم حركة السير للضيوف». لكن زميله نفى ما قاله العامل جملة وتفصيلا «ما أعرفه أنه على علم مسبق بحفل الزفاف، لكنه يرغب في كسب شيء من المال من يد المدير، لذا بادر بالحضور، إلا أن مكافأته كانت كلمة شكر فقط». وفي جانب آخر كشفت مصادر أن أحد المسؤولين في المنطقة استخدم صغار موظفيه لتقديم القهوة لضيوفه في حفل خاص بأسرته العام الماضي. من يتحمل المسؤولية؟ يرى موظف حكومي أحمد عبدالله الحميد 32 عاما أن المسؤولية في هذا الأمر تقع على الموظف في الدرجة الأولى قبل المدير «هذا التفاعل أو تلك السطوة تعود بالطبع لجهل الموظف بالأنظمة، لأن فعل المدير يندرج تحت بند استغلال السلطة، وكون الصلاحيات في يده لا يبرر له إلقاء الأوامر على موظفيه لإنجاز أعماله الخاصة». لكن الموظف الحكومي الذي رمز لاسمه بأبو لجين 34 عاما، اعترف بأنه ينجز الكثير من أعمال خاصة لرئيسه المباشر، تصل أحيانا إلى الذهاب لمنزله الشخصي، وتوصيل أبنائه من المدارس «الأسباب التي تدفعني لعدم رفض الأوامر خارج ميدان العمل، عديدة وفي مقدمتها رغبتي في الحصول على مكافأة معنوية مباشرة من مديري، حيث يأذن لي عند إنجاز المهمة بعدم الحضور في آخر ساعتين من الدوام مثلا, بالإضافة إلى تفضيلي على زملائي عند الترشيح لدورات بعينها». ويتمسك الموظف الحكومي الذي يعمل في وظيفة مستخدم عبدالله . غ . 40 عاما، بأن وظيفته ليست سوى أن يكون في خدمة الإدارة ومتطلباتها الرسمية فقط «ولا علاقة لي بمتطلبات المدير الشخصية والعائلية، أما أمر تكليفي بأعمال خاصة من رئيسي المباشر، فالأمر حصل في بادئ الأمر، حيث سبق أن كلفني مديري المباشر بأشياء غير مرتبطة بالعمل الرسمي، ومع تكراري للرفض توقفت أوامره». ويستنكر الموظف محمد الحربي 27 عاما وجود هذه الظاهرة وتفشيها في بعض الإدارات الحكومية، خاصة تجاه العمال والمستخدمين «أنا كموظف حكومي أعمل بأجرة وتكافئني على ذلك الدولة، وليس المدير, لذلك أوامره خارج نطاق العمل مرفوضة شكلا ومضمونا، وباعتقادي أن النظام سوف يكفل لي الحماية من تسلطه». إلا أن الموظف صالح . ق . 36 عاما نفى وجود هذه الأوامر في دائرته التي يعمل بها «هناك بعض مديري الدوائر الحكومية، وهم من ذوي المراتب العليا يكون له موظف خاص كسائق معين من قبل الدولة, وغير ذلك لا أعلم شيئا عما تقولون». واعترف مدير إدارة متقاعد أ.ن أنه « قد يخفى على البعض وجود عينة من الموظفين مهمتهم إفساد الموظفين الآخرين، وهذا وجدته في مكان عملي، وللتخلص من هؤلاء أقوم بتكليفهم بأعمال خارجية كلما أتيحت الفرصة لذلك». ولم يتردد الموظف الحكومي أحمد الشبرمي 35 عاما، في التأكيد على أن ذلك الأمر لا ينكره عاقل، مشددا على أنه ليس إلا نوعا من الفساد الإداري والسلوكي «لأن المدير بأوامره الخارجة عن نطاق العمل الرسمي يستغل نفوذه بوجه سيئ, وجهل الموظف ذي المرتبة الصغيرة بحدود صلاحيات المدير يجعل من أوامر المدير واجبات ملزمة التنفيذ, وبعض موظفي الدولة يعانون أشد أنواع الاضطهاد والتعسف وقلة الاحترام من قبل مديريهم، وهذا فيه عدم خوف من الله أولا، كما أنه محاربة لجميع الأعراف والتقاليد والأديان». ويشير الموظف الحكومي الشاب عبدالرحمن 26 عاما، إلى أنه تعين على وظيفة بند الأجور منذ ثلاثة أعوام «بصراحة أعمل كمخلص لمعاملات مديري المباشر في الدوائر الحكومية الأخرى، وذلك مقابل مبلغ من المال يساعدني على أمور الحياة ورافد رئيس لمرتبي الزهيد». ويستبعد مهندس حاسب آلي يعمل في أحد الوزارات عبدالرحمن المعارك 30 عاما أن يكون صادف مثل هذا الأمر على الأقل عند رئيسه المباشر «إذا كان هناك ظاهرة من هذا النوع في بعض القطاعات الحكومية والخاصة، فإن السبب ربما يعود لسوء الإدارة والتنظيم، حيث يتصرف المدير بمفرده في عملية توزيع الدورات والانتدابات بحسب مزاجه، فيضطر الموظف الصغير إلى التملق وطاعته في كل ما يطلب ليحصل على مبتغاه بأي وسيلة» .