الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . الحياة مسرح عظيم ، وأبطاله الناس الذين يتحركون على سطحه ، وحيث إن التعايش من سمة البشر ؛ صار لابد من التفاعل فيما بينهم ، فنشأ من هذا حب العلو والسيطرة والاستحواذ على القرار والمال ، فنتج عنه صراعات واعتداءات ومقاومات ، ومن ثم صار الاستحواذ والغلبة للأقوى دون أي اعتبار آخر . أنا الأقوى إذاً أنا السيد ، ويجب أن أملك كل شيء على وجه الأرض ، حتى لو أدى ذلك إلى قتل البشر دون سابق إنذار وبحجة البحث عن السلاح الفتاك الذي يخبئه الأضعف . فدخل البشر في دوامة الصراع المستمر ؛ قوي يفتك ، وضعيف يقاوم من أجل البقاء ، وهكذا اشتعلت الحروب المدمرة ، وقتل الملايين من الضعفاء دون مبرر ؛ حروب متوالية ، وجثث متناثرة ، وأسئلة حائرة ، ظاهرة سادت العالم ؛ جعلت علامات الاستفهام تكثر ، فما هو المبرر لقتل امرأة طاعنة في السن ، أو جريح في مسجد ، أو طفل يحتمي بأبيه تحت جدار وهو أعزل لا يحمل سلاحاً .؟! أو رجل قَدَرُه أنه مر بمسرح القتل وهو ليس طرفاً في الحرب .؟ قتلٌ بالجملة ، والمفرّق والإفراد ، تصفية حسابات ، وقتلٌ على الهوية ، قد يخرج من بيته ثم لا يعود أبداً ، بل ربما لا يجد من يدفنه أو يسأل عنه ، قتل شعبٍ بأكمله لا يهم ، وإن تساءل المتضامنون ؛ تزاحمت أجوبة المعتدين وأتباعهم ، ثم يأتيك الجواب ؛ أن جنودنا في حالة دفاع عن النفس ، أو بمبرر نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب من الاضطهاد .!! إذاً هؤلاء الضعفاء ؛ من يأخذ بحقهم .؟ مسرحية طالت فصولها ، وبين فتح الستار وإغلاقه ححج واهية ؛ أوهن من بيت العنكبوت ، يسدل القوي الستار على اللعبة ظناً منه أن الحكاية قد انتهت ، حيث يرفع الستار في موقع آخر ، ويمارس نفس السادية المتعطشة لسفك الدماء وحب السيطرة ونهب الثروات من العزل الضعفاء ؛ الذين يتسولون حقوقهم المنتهكة في أوطانهم . قد يخرج هذا الزعيم من موقع السلطة ، ثم يمشي الهوينا وكأن شيئاً لم يكن ، وقد يستولي على السلطة آخر ، ويحفر للذي قبله خندقاً ويرميه فيه ، ويمارس هو نفس اللعبة التي من أجلها أزاحه . ********** يتوهم كثير من الناس أن الحكايات قد تنتهي دون حساب أو عقاب لأنها تطوى في ملفات النسيان ، حيث يُفتعل موقف ما في مكان ما لإثارة الأتربة والغبار من أجل صرف الأنظار عن اللصوص الذين يسرقون أعمار الضعفاء وحياتهم وأوطانهم ، أبداً والذي نفسي بيده ؛ ليس الأمر هكذا ، فالقضايا كلها عند ملك الملوك ، جبار السموات والأرض ، الذي لا يظلم مثقال ذرة ، ولا يرضى به -سبحانه- ، فلا بد من القصاص يوماً ما ، وقد يكون عاجلاً أو آجلاً ، والشواهد كثيرة على عدل الله وأخذه ، ومعاقبة الظالمين الباغين ؛ لأنه -سبحانه- أثبت هذا في كتابه الحكيم ، حيث قال -سبحانه- : ﴿ ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ... ﴾ الآية . تأمل الأحداث التالية : رئيس الوزراء اليهودي الصهيوني ( شارون ) ، أين هو الآن ..؟ إنه محبوس في جسده ؟ رئيس الوزراء الإسرائيلي اليهودي الذي قبله ( إسحاق رابين ) ، اغتيل وهو وسط رجالات دولته وجيوشه في حفل كبير منقول عبر وسائل الإعلام اليهودية ، وكان قد ضرب طوقاً حديدياً من الحراسات الأمنية بأحدث ما توصل له العلم الحديث من التقنيات الاستخبارية ؛ مخافة أن ينسل طفل فلسطيني ويرمي أحدهم بحجر ، وإذا بالموت يأتيه من مأمنه ، على يد شاب يهودي يقف أمامه ويطلق الرصاص عليه وسط ذهول العالم .؟ الآن يعيش العالم على صدمة تلك الوثائق التي نشرها موقع ( ويكيليكس ) الإلكتروني عن الجرائم التي انتهكت في حق الشعب العراقي الأعزل ، الذي جرد من هويته ووطنه . وهذه الوثائق قد تطال كثيراً من رجال السياسة والحرب الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء ، والعالم يطالب الآن بمحاكمة هولاء . إذاً ؛ الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ، فمن يدري ؛ قد نرى قريباً جداً من كانوا على مسرح الحياة يصولون ويجولون ؛ يقادون إلى منصات المحاكم ، كما اقتيد الذين قبلهم . ولو نتأمل مسيرة التاريخ قديماً وحديثاً ؛ نجده مليئاً بالنماذج التي تؤكد سقوط هؤلاء الظلمة والبغاة في يد العدالة ، وتسديدهم فواتير البغي والظلم ، ولا اختلاف بين البشر ؛ فالقصاص يشمل كل من تلبس بظلم ، حتى الأفراد فيما بينهم إذا تظالموا ، فإن الله للظالم بالمرصاد ، تأمل قوله تعالى : ﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ﴾ ، والذي يظهر أن المقصود : من في القرى ؛ إذا ظلم القوي الضعيف ، على أي شاكلةٍ كان . فليطمئن الضعفاء أن الباغي والظالم لا بد يوماً سيقع في قبضة العدالة ، وسيدفع الثمن : ﴿ ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم ليوم ... ﴾ . والسلام عليكم ... عبد الله العياده