هناك مسرحية كويتية قديمة إسمها \" على هامان يا فرعون\" تحكي قصة رجل فاسد، وجراء فساده حصل على أملاك عريضة، ومكانة إجتماعية، وهنا لا بد لاعدائه أن يلتفتوا إلى أصله وفصله!! فما كان منه إلا الحصول على كتاب تاريخي كلف به أحد العاملين به لجلبه من السعوديةألا وهو كتاب \" عجائب الزماني لابن الزعفراني\" وقد قرأ له الموظف قصة جده الذي يخيل لاول وهلة أن إبن الزعفراني سوف يذكر له ما يحلو له ، وتطيب به نفسه، فوجد أن تاريخ عائلته تاريخ أغبر، وتاريخ جده هو تاريخ أحد (سراق الدجاج)، عندما كانت القرية التي تعاني المجاعة من نقص الدجاج . إستعدت أحداث هذه المسرحية عندما أهداني الأستاذ النبيل منصور النقيدان كتاب \" معجم أسر بريدة\" للشيخ الجليل العلامة محمد ناصر العبودي، وهو إسم أكبر من كل الألقاب، إلا أن هذا الكتاب لم يخرج بالشكل اللائق علمياً ، حيث أن مثل هذه القضايا ، والتي تعتبر محل إهتمام لدى أغلب الناس في هذه الأيام خصوصاً في \" بريدة\"، وهي قضية إيجاد المعنى متكئاً على التاريخ دون الواقع، وهو مرض عربي عام، إعتمد الشيخ العبودي في معجمه على وثائق ووقائع تاريخية لا يوافقه البعض عليها وقد يوافقه بعض المستفيدين!!، عذره في ذلك صعوبة التحقيق في بعض الأحداث التاريخية، مما هو عند الرواة أصلاً محل إختلاف في تاريخ بريدة، ورغم حجم الكتاب الكبير، والذي يدل على جهد كبير، لم يحالفه التوفيق في كثير من الأحيان، خصوصاً في الحفاظ على روح الكتاب ، ويبدو للقارئ من الكتاب أن هناك مشاركة أو تدخل في التأليف ، خصوصاً في الإضافات المتأخرة، فنجد الكتاب رفع من شأن عائلات حتى ظن الإنسان أنه أمام شىء لا يدركه و لا يعرفه من تاريخ عوائل بريدة، وأعطى بجميع وحدات الأوزان لعائلات قد لا تستحق، بل هو مدح ضار كما قيل \" إن المدح بما ليس فيك يشبه الذم\" وذلك لأنه قيل \" لبعض العائلات\" دون البعض الآخر، أكتبوا عن تاريخكم، فإنبرى فرع من فروع تلك العائلات إلى الكتابة التسجيلية على حساب الفرع الآخر، حتى يأتيك شعور أنك أمام عائلات ملائكية، ولست أمام تاريخ يعرفه أهل بريدة، فكلنا أهل قرية واحدة، نعرف بعضنا، ونعرف ما كنا عليه، وما نحن فيه، فتجدت بعض العائلات وصل ثناؤها على نفسها إلى حد لا يطاق، فلم يتبقى إلا \" شغالاتهم\" لم تحفظ القرآن،وكلهم دعاة وعلماء واثرياء وأصحاب أعمال خيرية ومدح للنفس مخجل!! وأستغل هذا الخلل بعض الأسماء التي توهمت أنها أمام سير ذاتية مكتوبة إلى تقديم سيرة عطرة تشبه سير المتقدمين لوظائف الشركات!!، والمدح لأناس لم يفعلوا شئياً سوى تخرجهم من الجامعة، في زمن شهادة الدكتوراة أصبح أمراً عادياً دون شهادات الدكتوراه المزورة، وغير المعترف بها!! وقد تم تسويق هذا الكتاب بذكاء قام به الناشر، وهو أن النسخ محدودة، وتم منعه، وتم إيقافه لإسكات ألسنة من تم إهمالهم من \" شهادة التاريخ \" وقيل أن هناك طبعة مستدركة لاحقاً ، وأن هناك عائلات لم تستجب لطلب التعريف بالعائلة \" وأساساً لم يقل لها\" إنما حكم الواقع على التاريخ، وهو شىء أجزم أن الشيخ العبودي لم يتعنى هذا الشىء إنما هو من إكمالات الناشر وتصرفه. بريدة التي نفخر كلنا بالإنتماء إليها ، لم تقف على عائلة أو شخص ينسق بينها وبين الملك عبد العزيز، وليس تاريخ بريدة وعائلاتها هو تاريخ المبايعات أو التعليم الأساسي الذي يتساوون فيه مع كل فرد في هذا العهد الزاهر، إنما بريدة هي تاريخ الشجاعة والشهامة والصدق والعمل والعصبة الواحدة والهم المشترك المطالب بالحقوق، ومن يوم بدأت التصنيفات في بريدة إشتعلت شرارة التفرق وعدم الإتفاق والرؤية الضيقة للأمور، فأصبح المدح لمن لا يستحق ، وأصبح الناس شعارات وهمية يغذون بها تخلفهم عن إدراك معنى أن تكون وطنياً تنقش مجدك بيدك، ولا يهمك أياً ما تكون ، ولا تخدع نفسك بمجد فارغ!! أقول هذا الكلام عندما رأيت مرض البيوت، ومرض أماكن التربية والتعليم، والداوائر الحكومية بهذه التصنيفات والترتيب على الشكل الطبقي والمؤذي للمتابع والتاريخ لا يظلم أحداً. جدير بالقول أن الشيخ العبودي ليس بحاجة ثناء، فقد أثنى عليه العديد من العلماء والمؤرخين منهم شيخنا الأستاذ عبدالرحمن البطحي الذي أثنى عليه غير مرة، وعلى جهده العلمي، ومؤلفاته تشهد بطول النفس والتميز، أطال الله بعمره على طاعته، وختم الله حياته بالسعادة. وما دام الحديث عن بريدة، فأحد أبناء بريدة قام بتأليف كتاب قد يكون الأهم في المشهد السعودي الحالي، وقد تستمر هذه الأهمية لسنوات، وهو كتاب \" السعودية سيرة دولة ومجتمع\" قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية، وقد قام المؤلف برصد نادر لجميع التحولات والمؤثرات سواء عبر الأشخاص أو الأحداث ، فلم يؤرخ ويرصد فقط، بل أعطى رأياً ، وقد أطلقت عليه لقب \" هيكل السعودية\" وذلك لأنه جمع الصفتين، ولكل عمل بشري طبيعة الإنحياز في بعض الآراء ، ومن ذلك نقاد الكتاب الذين إتسم نقدهم بجانب تقديم تيار في التأثير والفاعليةعلى تيار آخر، وذكر أسماء لا تستحق أن يطلق عليها صفة التأثير على الواقع السعودي، كما طال الإهمال بعض الأسماء المؤثرة، وعذر المؤلف ، وقد يكون ميزة له ، وهو أنه ظل مراقباً من زمن طويل ، وحاول الإيحاء وإستطاع بأنه مثقف مستقل!! مما جعل رأيه رأي الغير مشارك، أو معني بالأحداث أو الشخوص، وتختلف الآراء حول الكتاب الضخم والذي نفذت مبيعاته بشكل قياسي، لكن الكتاب أتى في وقت مثالي، من مؤلف متميز هو الأستاذ عبدالعزيز الخضر، وهكذا فليكن التأليف والجلد العلمي. الحلقة القادمة سوف يكون مقالي عن \" تاريخ المهايط والمهايطين\" فأرجو من القراء الكرام إرسال صور إجتماعية عن أنواع المهايط وتجاربهم في ذلك على إيميلي [email protected] صالح الدبيبي