أقسم أني وأنا أجرجر أحرفي فوق طرس \" الكيبورد\" في هذه اللحظات , أشعر بغصة في حلقي لم أستطع أن أزدردها, رغم محاولاتي في غير مرة .. هل هلال شهر رمضان , وبدأت أجواء نفسية – لا شعورية – تختلج وجداني , وتدق بسيمفونيتها كل عرق في جسدي الذي أضناه الفراق .. أجوائي الداخلية باتت مظلمة كحالها في مثل هذه الليلة من كل عام , ولم يزدها حرقة وقتامة إلا صديقي الذي اتصل بوالده مهنئا له بهذا الشهر الكريم .. رأى عيناي ودموعهما تجريان كالنيل في فيضانه, وجواي ملتهب بآلام لاتجسها سماعة أي طبيب . أسائل نفسي : ياترى لماذا في هذا الوقت بالذات , وماهي تلك الصبابة التي تعروني , وتذكرني بطيفه, ويحل ضيفا في كل ليلة من ليالي رمضان العامرة .. ويح نفسي ! حين يكتنفها الألم , وتحفها سحائب الذكرى .. وفجائع الموت ! أتاحشى لغير مرة أن أتصل بأخدانك الذين تودهم , أتحاشى أن أتصل بهم مهنئا بهذا الموسم المبارك .. إلا إن أصابع الحب لك , لاتلبث إلا أن تزرع قبلاتها في فم الجوال , لتشنف سمعي بطيفك الذي لن أبرح عليه باكيا! هل وداعك لي - من غير أن تستأذنني – وأنا في بدايات شبابي , وفي أوليات تعلقي فيك , سبب في جمرة الوجد , التي كلما قلتُ: خبت فإذا هي تزدادت سعيرا.. أم أنه الحب الذي دثرتني به , فما رأيت حينها لسعا لبرد ولا إحساسا لقاصف من ريح الألم! أم إن مفاتح المسؤولية التي ألقيتها على عاتقي وأنا لم أفتح دنياي على دنيا المرح , هي من جعلت حياتي متعلقة بذكراك أستشف منها عبق الذكريات , وأحلى الساعات. رمضان طل .. وطلت معه ذكرياتك.. تراكضني إذ غدوت من أهلي نحو بيت الله تسابقني نحو الخيرات.. ألاصق كتفي بكتفك حين تحين ساعة التراويح والتلاوات .. تحثني أن أتلو القرآن وأشنف به آذان المعمورة..أرتمي في كل زاوية ساكنة أبحث فيها عن جوانحك .. فأخرج في شمس الهجير , تلفني أعاصير الشوق والحب , فأجدني أمام جسدك المتكئ في محاريب الخشوع تردد عبق الآي والذكر الحكيم. واليوم ويح اليوم .. أصحو على نزف الوداع .. وأفطر على بقايا الأطلال .. وأصلي تراويحي , بلا روحك التي ضلتُ لها عاكفا بالحب . عشر من السنين طويت سجادتك عني لترحل بعيدا عني , لكنه الشوق , والدموع التي لاتخطئ طريقها التي رسمتها في أزقة وأخاديد وجنتاي .. إنه الوداع المر , حين يكفن بالحرمان , ويسجى باليتم , ويُلبن بالوَجد, ويوسد بلظى الفجيعة .. أطالع وجهك تحت النخيل :: وأسمع صوتك عند النهر ! إلى أن يمل الدجى وحشتي :: وتشكو الكآبة مني الضجر وتعجب من حيرتي الكائنات :: وتشفق مني نجوم السحر فأمضي لأرجع مستشرفا :: لقاءك في الموعد المنتظر ! أراك في أحداق محبيك , وفي مقل جيرانك , وفي تنهدات بنيك, وفي ضحكات أقرانك.. رحلت , فأبقيت في فؤادي جرح لن أظنه سيندمل . وقفلت , لتقفل بوابات الأبوة كلها أمام ناظري .. أبقى يتيما .. وأموت يتيما .. وأبعث يتيما .. أعتصر إن سمعت ملبيا لنداءات أب يناجيه .. وأرسم عبراتي , عندما يعانق أب فلذة فؤاده , وحينما يرسم العيد بهجته ويقبل كل ابن ثرى رأس والده .. أركض بلا هدى نحو قبرك مرتميا في أحضان حجارة تطوقه.. سامحا لدموعي أن تبارك لك بالعيد : عيدك مبارك ياثرى (والدي ) .. رحمك الله ! - سليمان بن فهد المطلق [email protected]