تناقلت الصحف المقروءة بنوعيها حادثةَ قتلِ أبٍ لثلاثة من أبنائه كلهم دون السابعة ..! كلّ القراء تعاطفوا مع الأطفال المقتولين إلا أنا ، فقد تعاطفت مع الأب القاتل ، ليس من باب خالف تعرف ، بل لأنني أبٌ ولو عشتُ حالته فلا أستطيعُ تحديد ما سأفعله حينها ..! تصوروا معي الحالة ، فربما تجدون له العذر : أبٌ يسير على عكازين ، وزوجةٌ تتخلى عن أولادها قبل أن تتخلى عنه ، وأطفالٌ ثلاثة كلهم في حاجةٍ إلى الاعتناء بهم من إطعامهم إلى تنظيفهم ..! هو ابتلاء ، والصبر عليه جزاؤه عند الواحد الأحد ، ولكن حينما يكون الابتلاء فوق طاقة الإنسان فإن الحل المطروح للخروج منه ربما كان مزلزلاً وغيرَ متوقعٍ ، ومع هذا يبقى حلاً ..! ضغوط الحياة كان نتاجها مرضًا أطلقوا عليه ( النفسي ) ، ولا أظن بيننا إلا من أصيب به وعانى منه في إحدى فترات عمره مع تفاوت مستوى درجته ، فهناك من كانت درجة إصابتهم به عالية ، والعكس ، كلٌّ بحسب مستوى ( الضغط الحياتي ) الذي يقع تحت وطأته ..! أنا أحد الذين عانوا في حياتهم من الضغوط المتنوعة ، وقد تمنيتُ بعد أن استبد بي أحدها أن أجد من علمائنا الأفاضل من يأخذني في ذمته حين أضع لحياتي حدًا ، فوالله لو وجدتُ لارتحتُ من هذه الدنيا التي لا تساوي عند ربي جناح بعوضة ..! كنت حين أرى القبر يهزُّ الخوفُ كياني ، أما اليوم فقد أصبح ورب الكعبة مطلبي ؛ لأنني أعرف أنه سكني اليوم أو غدًا ، وما دمتُ لا أخرج من تحت ( ضغطٍ حياتي ) إلا وأقع تحت أخيه فلِمَ الانتظار ..؟! أيها الأب المكلوم في نفسه ، وفي فلذات أكباده عزائي لك وأنتَ تقبع خلف قضبانٍ لا أظنها غريبةً عليك فقد قبعت خلف أشد منها وأنكى ، فقضبان السجن أرحم من قضبان ( المجتمع ) الذي لا يجيد غير الشماتة ..! محمد السوادي - جدة