كأن العالم مع افتتاح القرن الجديد انصرف من مسارٍ إلى مسار آخر، حيث تصبح \"لغة الموت\" هي اللغة التي تتحاور من خلالها الثقافات، فانزاح السلم لصالح الحرب، واختفت كل مظاهر التقارب التي كان يمكن أن تتم مع ضمور أسباب الحرب، ونمو أدوات التواصل على المستوى السياسي من جهة، وعلى المستوى التقني من جهة أخرى، غير أن فاتحة هذا القرن شهدت اعتماد لغة الموت لغة شعبية، حيث تصاعدت استراتيجيات \"الإزالة\" بين المتطرفين، فجثى العالم على كفّ عفريت لا يرقب سوى \"الدولة التالية\" التي ستكون هدف الضرب. كما اعتمد الإرهاب في نفخ صوته على تلك الممارسات التي تهيّج العالم ضد مجتمعات بأكملها، كما استطاع أن يمرر مقولاته العاطفية بين شقوق المعاناة التي يرزح تحتها مواطن هذا العالم. تلك هي الفاتحة الأولى لقرن جديد يتشكل من جديد، كأن اقتراح \"إعادة رسم الخرائط\" يبدو ماثلاً للعيان، كأن اعتماد مركزية جديدة لإدارة العالم تطبخ الآن على نار هادئة في مختبرات صنع لغة العنف لدى بعض امبراطوريات العالم. كأن القرن الذي اختتم بترويج مقولة \"نهاية التاريخ\" الآتية من تأويل فاتيمو لأطروحات هيغلية، ومن ثم تدوينها على يد فوكوياما كأن ذلك القرن كان يلفظ نتائج التبشير بالنهايات، عن طريق انفجار \"لغة الموت\" منذ بدء الألفية وذلك في مكان هو مرتكز الصراع العربي الغربي حيث انفجرت تلك اللغة على أرض \"فلسطين\". من الفواجع التي لفظها القرن الجديد الذي ينذر بانعطاف تاريخي، ترابط الصعود بين وسائل الإعلام ووسائل الإرهاب، حيث يعتمد كل طرف على أقصى إمكانيات التقنية لإزالة رأي الطرف المقابل، كأن مقولة \"الرأي والرأي الآخر\" ستتحول بمرور الوقت إلى نكتة سمجة، لتغدو مجرد لفظة تطير في الهواء بلا معنى، كل هذا الدوران التاريخي حول \"التيه\" الذي يشهده العالم الذي يرتكز في تحركه على عناصر القوة الاقتصادية ساهم في التأثير على المناخ الاجتماعي العربي، ليس من الجهة الاقتصادية فحسب، وإنما حتى من الجهة الثقافية، فبنفس القوة التي تنمو فيها النزعات الطائفية في العالم العربي تنمو قوى ممانعة ضد الطائفية، كما تحوّل عمل تنظيمات الإرهاب، كأن تنظيمات تموت وأخرى تبرز، ولعلي هنا أوجز المحاور التي تشكّل وجهة ممانعة ضد انفلات القرن لصالح قوى تعتمد في تحقيق أمنها على \"لغة الموت\": - إرادة يافعة لمجتمع متنوع: في لبنان حيث \"المختبر الطائفي\" للعالم العربي، أجري استطلاع للرأي وذلك في فبراير شباط من عام 2006 على مستوى طلاب الجامعات، ونشرت نتائج الاستطلاع في مجلة \"الدولية للمعلومات\" رأى 57.8% من الذين جرى استطلاعهم تفضيلهم العيش في منطقة متعددة الطوائف الدينية، كما رأى 64.3% ممن أجابوا على الأسئلة أنهم يوافقون على فكرة الزواج من شخصٍ من طائفة أخرى، وعن سؤالهم فيما لو رفض أهلهم فكرة الزواج من طائفة أخرى رأى 47.3% أنهم سيمضون قدماً في إتمام زواجهم (انظر بحث أحمد الزعبي في كتاب الطائفية من مطبوعات مركز المسبار في دبي أبريل 2007) كأن جيلاً جديداً يعتمد على حمى ممانعة يختزنها داخله، وينفي من خلالها نية الموت، هذا في حال سلامتهم من التدجين الطائفي مستقبلاً. -من الأسلوب الأمني، إلى التفكير الآمن: مع أحداث الإرهاب المتلاحقة ، أصبح الأمن هو الهاجس، وتحوّل الفعل الأمني من فعلٍ وقائي يمرّ كالطيف إلى فعل أساسي لا غنى للمجتمعات عنه، من أجل ملاحقة فلول المتطرفين الذين يحتمون داخل المجتمع، كما شددت الدول من قوانين الدخول والخروج، وغدت التأشيرة صعبة المنال في كثير من دول العالم، وذلك لفترة طويلة، وهو ما جعل الكثير من آمال الطلاب تتبخر، لصالح اعتماد الأسلوب الأمني، وفي هذا الشق غفلت الكثير من استراتيجيات مكافحة الإرهاب العالمية عن الشق الفكري، الأمر الذي مكّن قوى الإرهاب من اعتماد استراتيجية اللعب على العاطفة، فاستخدمت يافطات كثيرة، ليس أقلّها ادعاء وجود \"تمييز ضد المسلمين\" من أجل تأجيج العواطف وتهييجها ضد بعض الدول والشعوب، هذا مع وجود نماذج لطرح \"التفكير الآمن كآلية تسير بموازاة الأسلوب الأمني من أجل حماية الأجيال الشبابية الصاعدة من براثن الإرهاب. ربما كان من أبرزها نتائج المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في \"الرياض\" الذي ضمّ من ضمن بنوده تطوير آليات التعليم، كما لا يمكن نسيان تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي مركزاً دولياً لمكافحة الإرهاب في مملكة البحرين وذلك في الاجتماع الذي عقد في 6-5-2006. في نماذجنا هذه نلمس ممانعات اجتماعية تعارض انفلات هذه البقعة إلى الهاوية، كأن الحس السليم الذي يسكن كل كائن يأخذ مسار نموه، فيجد في السلم مرتعه، كأن البعد الذهني الفطري يحتمي بنظرية أساسية هي نظرية ارتباط السلم ليس في الخبز فحسب وإنما حتى بالحياة، هناك تتغلب لغة التسامح على لغة الموت تتطور الخلايا الاجتماعية الطبيعية، وقد شهد العالم العربي الكثير من الكوارث والحروب التي جعلت اقتصاده على المحك، إن حركة الحياة اليومية ودورانها يأبى اعتماد لغة الموت التي تهيء لبروز كارثة إنسانية وبشرية لن تقف آثارها عند حد من الحدود. فهد سليمان الشقيران [email protected]