مازالت الهجمة على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزداد شراسة .. تتبناها دوائر إعلامية , تكيلُ ل ( حرّاس الفضيلة ) صنوف العداء , بل وأصبح للبعض منها دوراً تعبوياً , يتخطّى أمانتها المهنية , وتناسى القائمون عليها أنهم ( حرّاس الحقيقة ) , فالمتتبع لأخبارهم يظنُّ أن سبب تخلفنا هو الهيئة , و أنها أحد مسببات الأزمة المالية العالمية , و انهيار مناجم الفحم في الصين , و فقدان الطائرات غرب الأمازون . والمفارقة أن كثير مما تتناقله تلك الدوائر لا يعدو عن خبر مغلوط أو حتى مُفترى , والأعجبُ هو الانسياق خلف تلك الأخبار من غير تثبت أو حتى سماع رواية الطرف الآخر . وشيئاً فشيئاً فقد أصبح الناس أكثرُ وعياً تجاه ما يُنشر , وأضحت تلك الهجمات '' لقاح مناعة '' ضد تلك السموم , وارتدّ السحر على الساحر . وأتساءل : أين هؤلاء القوم ممن يسبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأين موقعهم من الذود عن قبور الصحابة و آل البيت رضوان الله عليهم جميعا ؟ و أين أقلامهم من أخبار المبتدعة والسحرة ؟ .. أين ألسنتهم الحِداد ؟ .. فما أراهم إلا وقد تحولوا عنها كبُكمٍ عُمي . يدّعون الخير وهم يتجافون عنه , وينهون عن الشر وهم فيه مبتلون . و أعتى ما قرأتُ وقد أدمى ناظري هو قولهم '' إن الهيئة من أصنام الماضي آن لها أن تُزال ' فعجبي كيف توصمُ شعيرة دينية بالصنم , وكيف يُكالُ لجهاز استمد اسمه و منهاجه من كتاب الله تعالى , قال جل في عُلاه (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) .. أخيريةُ الأمة تشبه بالأوثان , وعليه , فأي قدسية سيضفون على الملاهي بمقاييسهم ..! ألا سُحقاً لأقلامهم , وتباً لما يأفكون .. يحدثني صديق .. يقول : في مناسبة ما , احتفل الشبان في الشوارع , في الشارع الذي كنت فيه مع عائلتي , أوقفوا حركة السير, فشرعوا في صخبهم ومجونهم الذي وصل بهم إلى فتح أبواب السيارات والتحرش بمن في داخلها , يقول صاحبنا : فأوصدتُ الأبواب وأغلقت النوافذ , وتمنيت حينها أحد الأمرين ( إما السلاح و إما الهيئة ) . فماذا يتمنى هؤلاء القوم ؟ أشِرعةُ الغابِ أم حرّاس الفضيلة ؟ . فمن لم يُثنِهِ عقلٌ أو عرفٌ لن يردعه إلا الدين .. ولن يرضى أولئك حتى ترعى الغنم في أرض السباع ! لقد أيقن كثير أن في بقاء الهيئة تخلف عن '' الرذيلة '', و أن في شهوانية القوم تقدمٌ إلى '' الجاهلية '' . والناسُ في نظرتهم للهيئة إلى ثلاث , فناظرٌ يرى بأنهم منزهون عن كل زلل , ونسوا أنه ( أصابت امرأةٌ وأخطأ عُمر ) , وأنه كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكلٌّ يُنقدُ فعله وإن اجتهد إلاّهُ عليه الصلاة والسلام , وآخر يرى وجود الهيئة ضرورة دينية واجتماعية لتُقام الشعيرة ويستقيم حال المجتمع . ولا ينكرون بعض الأخطاء الاجتهادية , ويرون الإصلاح , بل ويُطالبون بحقوقهم , ويمشون بالنصيحة لا '' الفضيحة '' , وبالمصداقية لا '' الاصطياد بالماء العكِر'' , ويدعون لهم لا ''عليهم '' . فلك أن تعرف أنهم لا يوجد لهم رقم ثلاثي موحد , بينما يوجد رقم موحد للإبلاغ عن إلقاء النفايات ..!! مع أنهم في أحد السنوات تصدوا ل 40 ألف واقعة , فمن لهذه الوقائع إن طالب القوم بإلغاء هذا الجهاز .. و لك أن تتخيل أن ما يقوم على حماية مجتمع يعيش على شبه قارة , جهاز قوام رجاله بعدد سكان أحد أحياء أي مدينة .. كلهم ليسوا فوق المحاسبة على كل حال .. أقلّوا عليهم لا أباً لأبيكمُ ....... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا وثالثٌ يطالب إلغائها بالكلية , متذرعاً ببعض الأخطاء الفردية التي تسمع من هنا وهناك , سواء علم أم لم يعلم بأن '' وراء الأكمه ما ورائها '' , وهنا أساله : ما قولك لو أبطحك أحد رجال المرور ( دونما ذنب ) وأوسعك ضرباً , أو فقأ أحد المعلمين عين ابنك , أتُراك تُطالب بإلغاء جهاز المرور , مُنادياً بهدم المدارس !! , دعنا من المنطق وتعال مشكوراً أخي , واقرأ معي الناقض الخامس من نواقض الإسلام : من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ( ولو عمل به ) فقد كفر إجماعاً . ( و ليس بعد الكفر ذنب ) قال الله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد 9 . وما أنزل الله هو قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) . آل عمران:104 فالخطاب للمسلمين , والصيغة جاءت بالأمر , والأمر يقتضي الوجوب , وهو تكليف وتخفيف و تشريف . فإذا وعينا أمره تعالى وجب الانقياد , وما أنزل فهو صالح لكل زمان ومكان , فلا يُسأل عما يُصلح الإنسان إلا من خلقه , قال تعالى ( وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير ) حتى أن سلامة الأمة تكون في بقاء الهيئة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر , وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الْمُسِيء , وَلَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه قُلُوب بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , وَلَيَلْعَنَنَّكُم كَمَا لَعَنَهُمْ ) . والسياق فيمن كفر من بني اسرائيل . قال ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) خاتمة : وأحيطكم علما أني لستُ ممن ينتسبُ إلى جهاز الهيئة ولو كنتُ '' لافتخرت لِزاما '' . فلستُ إلا كما قال الشاعر : أحب الصالحين ولستُ منهم ... لعلّي أن أنال بهم شفاعة و أكرهُ من تجارته المعاصي ... و لو كنّا سواء في البضاعة تذكرة : قال الإمام مالك ( لن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح أولها ) عزاء : من يُطعن من الخلف ... فليثق أنه مازال في المقدمة .. كتبه : عبدالسلام بن عبدالرحمن الربعي