معالي أستاذي المواطن غازي... ما أصعب على تلميذ أن يكتب لأستاذه، وعندما أقول ذلك فإنني أعنيها بحق، فأنت أستاذي منذ أن كان جسدي النحيل يعجز عن حمل أحد كتبك، ومنذ أن كان عقلي الصغير يعجز عن فك طلاسم حرفك وقصيدك، ولا يزال صدى قصيدة «أبا النبل» يدوي في رأسي ويستولي على تفكيري كل ما جار الزمن علي بفقد عزيز. هذا المقال الرسالة كان حبيس أدراجي منذ أكثر من عام، ولدى صديقنا رئيس التحرير علم بذلك، فلك مهابة تجعل مثلي يتمهل قبل ان يخاطب مثلك. لا أريد أن أدبج المديح فلست بحاجته، وهل مثلك بحاجة لمديح وأنت الرمز في كل مشاهدنا الحياتية الاداري منها والثقافي وما بينهما. لقد دأبتم يا أستاذي منذ مدة ليست بالقصيرة في الرد على كل من تجرأ وانتقد أداء وزارتكم وهو حق لكم، ولكن اللافت هو طابع الحدة والسخرية والتهكم الذي لم نعهده منكم طوال عقود كنتم فيها ملء السمع والبصر والفؤاد. أنا لست هنا للدفاع عن هؤلاء الكتّاب فهم أقدر مني في الدفاع عن أنفسهم وأقوى بياناً، ولكني هنا لأخاطبك أنت يا سيدي بصفتك أحد الرموز الوطنية التي نعتز بها وبحضورها، ولئن كان الطيب صالح ينعت شاعرنا الكبير المتنبي بالأستاذ فإننا ننعتك بالأستاذ ونعتز بذلك. معالي استاذي المواطن غازي... لقد فهمنا من ردودكم العنيفة والساخرة على الكتّاب أنهم غير مؤهلين للخوض بما لا يفقهون بحكم ضحالة أو انعدام تجربتهم الإدارية، وأفهمتنا أنهم يجهلون كثيراً من الحقائق عن الجهود التي تقومون بها، وهذا قد يكون صحيحاً، فمثلك لا يكتب بلا دليل، ولكن المشكلة يا أستاذي هي أن شريحة لا يستهان بها في محيط من التقي بهم لا يرون فقط أن للكتّاب الحق في الخوض في كل شأن يهم المواطن، حتى ولو لم يحالفهم التوفيق في دقة الطرح، ولكنهم أيضاً يرون أن استخدامكم لعصاكم الأدبية الغليظة لمجابهة وتسفيه كل رأي مخالف لا يتماشى مطلقاً مع الصورة النمطية لشخصيتكم المتميزة ومواهبكم المتعددة وحنكتكم الإدارية. لقد رسم المواطن عنكم يا أستاذي صورة الاداري النزيه المخلص الذي يكافئ من يهدي إليه عيوبه لا ذاك الذي يلوح بعصا غليظة لمن ينتقد أداءه. أعلم انه ليس من السهل على شخصية استثنائية مثل شخصيتكم - اعتادت ان تسمع مدحاً مستحقاً لمدة طويلة - أن تتقبل النقد، ولكن الله شاء ان تتسنم أعباء وزارة صعبة المراس في ظل ظروف حالكة، ولكن هذا قدرك، وهذه ليست المرة الاولى فذاكرتنا لم تشِخ. صدقني يا أستاذي أن المواطن يعلم أن تعقيدات وزارة العمل، وظروف العمالة الاجنبية، والسعودة، وعمل المرأة وكل ما يحيط بذلك من ملابسات يختلط فيها الاجتماعي بالديني وخلافه، كل ذلك كفيل بأن يعوق عمل أي مسؤول حتى ولو هذا المسؤول مثل غازي أو حتى غازي نفسه، والمواطن عنده المقدرة على تلمس الاعذار حتى لمن هو ليس في مثل قامتك، ولكن هذا المواطن الذي يعرفك جيداً ويقدرك جيداً ويؤمن بقدراتك إيماناً كبيراً لا يريد أن تتغير نظرته الجميلة عنك، فهذا المواطن ليس لديه مشكلة في أن يفشل غازي جزئياً في إدارة وزارة العمل على افتراض أن هناك فشلاً، ولكن هذا المواطن لديه مشكلة كبرى في أن يتحول غازي الإداري النزيه المخلص المحبوب، حتى من خصومه، إلى خصم حاد الطباع لكل من يختلف معه او ينتقد أداء وزارته، لأن الفشل - لو حصل - له أسبابه التي قد تكون خارج الإرادة، أما حدة الطباع فهي كفيلة بأن تؤثر سلباً في الصورة النمطية الجميلة التي تم رسمها بعناية على مدى عقود. أرجوك يا أستاذي لا تخيب ظن محبيك فيك في ختام حياتك الوظيفية التاريخية الرائعة، فمهما كان حجم خيالك فإنه قد لا يكون قادراً على إدراك حجم تلك المحبة. أحمد بن محمد الفراج [email protected]