يقول الرزاق سبحانه ) ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)) بين الله – سبحانه – في هذه الآية الكريمة أنه لوتحقق في أهل القرى أمران ،وهما الإيمان والتقوى لوسّع سبحانه وتعالى عليهم الخير ويسره لهم من كل جانب . قال عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما – في تفسير قوله تعالى ( لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )) \"لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب \" فلقد وعد سبحانه أهل الإيمان والتقوى أن يعطيهم أنواع النعم المستمرة،ويقول الرازي في قوله تعالى: ((بركات من السماء والأرض )) \"بركات السماء بالمطر،وبركات الأرض بالنبات والثمار ،وكثرة المواشي والأنعام ،وحصول الأمن والسلامة ،وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم ومنهما يحصل جميع المنافع والخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره\". ولقد أخبرنا سبحانه أن أهل الكتاب نسوا هذا المفتاح فلم يعملوا به ولوا عملوا به – كما قال بن عباس رضي الله عنهما- فامتثلوا بما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن لأكثر تعالى لهم بذلك الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض فلقد قال سبحانه عنهم (ولوأنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون )) يقول الشيخ يحيى بن عمر الأندلسي \"يريد تعالى –والله أعلم – أنهم لوعملوا.... لأسبغ عليهم الدنيا إسباغاً \"وقال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة:\"ونظير هذه الآية(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لايحتسب))،((وألواستقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً))،(( ولوأن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )) فجعل تعالى التقى من أسباب الرزق كما في هذه الآيات ، ووعد بالمزيد لمن شكر فقال(لئن شكرتم لأزيدنكم )) . فإن سألت أيها الحبيب عن معنى هذا المفتاح العظيم للرزق- الذي هوالتقوى – فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب ، ثم الإنابة منك كل وقت إلى علام الغيوب ،وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات ،وترك جميع المناهي والمحرمات ، وهو القيام بحقوق الله وحقوق المخلوقين . إن علامة المتقي أن يكون قائماً بأصول الإيمان، متمماً لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان، محافظاً على الصلوات بأوقاتها ، مؤدياً للزكاة لمستحقيها وجهاتها ،قائماً بالحج والصيام ،باراً بوالديه واصلاً الأرحام ،محسناً إلى الجيران والمساكين ،صادقاً في معاملته مع جميع المعاملين ، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد ، مملوءاً من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد ،لايسأل إلا الله ،ولايستعين إلا به ،ولايرجو ولايخشى أحداً سواه . وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه ،في قوله تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أوظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين *)) من الله علي وعليك بتحقيق التقوى ، وجعلنا وإياك ممن استمسك بالعروة الوثقى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وكتبه : خالد بن ناصر العلي [email protected]