أغدق الله على عباده في هذه البلاد في الآونة الأخيرة بنعمٍ كثيرة , وآلاء عظيمة , خلافاً لما كان عليه أجدادنا في السابق , فكانوا حفاةً , يجوبون الصحاري والقفار , يبحثون عن لقمة العيش , في الصيف ولهيبه , والشتاء وزمهريره , والظلام وهوامه , والطرقات ومفاوزها , يكدح أحدهم من بزوغ الشمس حتى مغيبها , في عمل متواصل , مُقابل أكلة يومه , ويا ليتك تدري ما وجبته ؟! . لا توقد النار في بيت أحدهم أياماً متواصلة , ولا يشبع أحدهم من صنف واحد دهراً . مقابل الآن .. تتحيّر الأم من وجبة الغداء أو العشاء من كثرة أهواء الأبناء , وتعدد رغباتهم , وتنوع أمزجتهم , وتوافر نعم الله علينا , في أمن وأمان . لا يُفتقد الأب إلا في انتداب أو نزهة , فلك اللهم الحمد , ولا يُكرر النوع من الطعام في يومين متتاليين , ويستنكف أحدنا من طعام بائت , تعدُ في الوجبة الواحدة الأصناف العديدة , الحلو والمر , البارد والحار, المُقبّل والخاتم , ففي لحظة وضع الطعام , ومدِّ سُفرته , وتنوع أشكاله , وألوانه , تذكر جيداً أحد آبائنا ( أبو حمد ) وهو رجلٌ مُسن الآن .. يروي عن والده أنه في زمنٍ مضى مرّ بسوق شعبي من أسواقنا يلتمس الرزق , وفي أثنا تجوله بين الباعة , إذا بدلاّل ( مُحرج ) قد علا صوته واجتمع الناس من حوله , قال .. فاقتربت منه فإذا.. ببضاعته عِظامٌ بالية , وهو ينادي بأعلى صوته .. \" لم تُطبخ سوى مرتين \" فقط ( يذكر ذلك مُرغباً في العظام , ومُحفزّاً على شرائها , ومُوضحاً لميزتها أنها لم تطبخ سوى مرتين) سبحان الله .. يستطرد صاحبنا أبو حمد ويقول أنه في ذلك الوقت قد يُعاد طبخ العظام خمس مرات .. عزيزي القاري ... أترك لك التعليق ... ودمتم بخير صالح بن عبدالرحمن الجاسر