على هامش الأمطار تغييب العوامل الجغرافية والطبوغرافية من تخطيط المدن السعودية (2/6) يظهر على تخطيط مدننا والأحياء السكنية وبناء المرافق والمنشآت العامة غياب الحس والنظرة الجغرافية، فضلاً عن تجاهل شبه كامل للعوامل الطبوغرافية عند تخطيط الأحياء، بينما تتركز العملية التخطيطية في جوانبها الأساسية على شكل المخطط ونسب استخدام الأرض من خدمات أو شوارع. ومن المفترض أن طبوغرافية الأرض بشكل عام و المسارات الطبيعية للسيول هي التي تحدد نمط المخطط وميول وأحجام الشوارع ومواقع المرافق العامة وبالذات الحيوية منها مثل المستشفيات والمدارس ونحوها لا أن نجعل الشكل الهندسي الصارم هو الذي يحدد ذلك. أن غالبية مدن المملكة قامت نواياتها الأولى على ضفاف أو قرب وديان رئيسية أو فرعية، وفي الماضي كان الناس يتركون هذه الوديان والشعاب فضلاً عن المنخفضات التي تتجمع فيها مياه الأمطار دون عمران، وعدم إغلاقها بالردم أو التدمير، بل كانوا يحرصون أشد الحرص على المحافظة عليها.. لكن مع التوسع العمراني السريع الذي شهدته المملكة خلال العقود الماضية انتشر العمران والمنشآت العامة نحو مجاري الأودية والشعاب، مما أدي إلى إغلاق المجاري الطبيعية أو تغيير وانحراف مساراتها. وتبقي كثير من دول العالم على المجاري الطبيعية للمياه مهما كان حجمها دون عمران مع عدم تغيير مساراتها الطبيعية وذلك للاستفادة منها كمناطق مفتوحة تتسرب نحوها مياه الأمطار وليتم عبرها أو بجوارها تمديد القنوات والشبكات الصناعية الخاصة بصرف مياه السيول أو مياه الصرف الصحي، فضلاً عن أنها تقلل التكاليف المادية لتمديد الشبكات لاتفاقها مع الانحدار العام لمناسيب سطح الأرض. ولاشك أن مدينة الرياض من المدن القليلة في المملكة التي استغلت (جزئياً) مجاري بعض أوديتها الرئيسية خصوصاً وادي حنيفة لصرف السيول نحوها. وتصاب بالدهشة والحيرة، مما تشاهده اليوم في مدن كثيرة، وقد امتدت المخططات السكنية إلى قلب مجاري الأدوية حتى تكاد تكون قد أعمتها بل ألغتها من الوجود، بعض هذه الأودية كان الناس يمرون بجوارها عبر الطرق المعبدة حديثاً، وقد أقيم عليها عبارات \"جسور\" لمرور السيول من تحتها دون أن تغلق أو تعيق الطريق، هذه العبارات كلفت مبالغ طائلة، ويصل طول بعضها إلى عدة مئات من الأمتار، وتزداد حيرتك مع ما يصاحبها من علامات تعجب عندما تمر من المكان نفسه بعد سنوات وأحياناً بعد بضعة أشهر، وقد تحول هذا المجرى بما فيه من عبارات سيول إلى مخطط سكني، أو تجاري، أو قطعت أوصاله وسدت شرايينه بالحواجز الترابية للمزارع. إن الأودية والشعاب ومجاري السيول يفترض أنها ضمن الممتلكات والمصالح العامة، وأحسب أنه لا يجوز حبسها وتقطيع شرايينها (بالعقوم) وتخريبها أو حتى أقطاعها ومنحها. د. محمد بن صالح الربدي [email protected]