أنزل الله علينا بفضله ورحمته غيثاً مغيثاً متتابعاً ، نزل على الأودية والشعاب والآكام والظراب ، بل وعلى بيوتاتنا وأسواقنا ، ومزارعنا ، وفرحنا واستبشرنا بعد قنوطنا ويأسنا { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } (الشورى:28) . روي أن رجلاً قال لعمر : يا أمير المؤمنين أيس الناس وأجدبت الأرض ، فقال عمر ابشر جاء المطر ثم قرأ { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }(الشورى:28) . وقد نال الضرر بعض الناس ، وفي الوقت نفسه حصل نفع أكبر وأكثر ، ولكل شئ ايجابياته وسلبياته والحكم للغالب . { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } (الشورى:27) . خرجت يوم الأحد 11/11/1429ه ومعي الأخ الشهم/ أبو سعود الفوزان ، فإذا الناس قد خرجوا برمتهم إلى وادي الرمة ، الرجال والنساء ، الكبار والصغار ، حتى الشيوخ والرضع ، خرجوا إلى ذلك الوادي الذي خشع دهراً ، وهمد زمناً ، وغضب سنوناً ، ذلك الوادي الغضوب ! ، خشع سنوات مضت ، وأعوام تعاقبت ، ودهور تتابعت ، كان حزيناً غضوباً ، يشكو إلى الله الجفاف والجدب وقلة المطر ، ظل خمساً وعشرين سنة وهو خاشع ، هامد ، ميت ، فأحياه الله ، إن الذي أحياه لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير ،لقد تحرك أخيراً الوادي الخاشع ، الوادي الهامد ، الوادي الحزين ، لقد تغيرت حاله ، وتبدلت أحواله ، لقد ضحك في وجوهنا ، وأقبل على ديارنا فلما التقينا قلت له : مرحباً بك أيها المسافر المهاجر ، وحمداً لله على سلامتك ، وهنيئاً لك القدوم من شمال طيبة الطيبة ، وأهلاً بك في عقلة الصقور ، والنبهانية ، ومرحباً بك وبمن معك في الرس وأهلاً وسهلاً عندما عانقت سهول البدائع ، وعلى الرحب والسعة في عنيزة وبريدة ، وحيثما مررت ونزلت ، وتوجهت ، أيها المسافر ، أيها الغائب المغيب ، ومرحباً ثم مرحباً حين استقر بك المقام شرق بريدة ( البندرية ) نعم لقد اتعبك المسير ، وأجهدك الطريق ، وانقطعت بكل السبل وتفرقت بك الشعاب ، والقيت عصا الترحال . وإني بذلك أقول لك ما قاله الشاعر :- فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عيناً بالإياب المسافر ثم عاتبته فقلت له أيضاً : لقد انتظرناك طويلاً ، أيها الوادي ، وها نحن خرجنا برمتنا يا وادي الرمة ، لقد طالت غيبتك ! ، لقد اشتقنا لرؤيتك !،لماذا هذا الجفاء والجفوة! لماذا ؟ لماذا !؟! من الذي أعضبك علينا ، لماذا تأخرت كثيراً ؟ أعرف سبب غيابك ، وطول فراقك ، إن السبب هو نحن وما اقترفت أيدينا ! يا وادي الرمة إننا نتوب إلى الله فلا تتركنا كما تركتنا ، ولا تهجرنا كما هجرتنا ، فإننا لا نطيق هجرانك يا وادي الرمة . وأخيراً أقول : إن نزول الأمطار بهذه الصفة من التتابع والقوة يدعونا إلى التفكر في حكم وأسرار هذا الغيث المدرار الذي نزل بساحتنا . ولعل من حكم هذا الغيث المدرار الذي نزل بساحتنا :- 1- أن الله سبحانه أراد أن يرينا عظمته وقوته وكبرياءه في أمرٍ يسيرٍ ( هو المطر ) فكيف لو كان مصحوباً بالبرد مثلاً ، فتأمل يا رعاك الله عظمة العظيم سبحانه { ألا إن القوة لله جميعاً } . 2- أنه أراد – عز وجل – أن يرينا نعمه وتفضله علينا { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل:18) . 3- أن الله أراد أن يميز عباده الشاكر من الكافر { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }(سبأ:13) { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } (الإنسان:3) ، وفي البخاري : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ) . 4- أنه أراد أن يرينا ضعفنا وعجزنا ، وقلة حيلتنا . ومن هنا ينبغي لنا أن نعذر أجهزة الدولة ممثلة في ( الدفاع المدني ، والشرطة ، والمرور ، والهلال الأحمر السعودي ، والبلديات ) في بعض الأضرار التي حصلت ، لأن لا رافع لما أنزل الله ، وقوة الله أقوى من أي قوة ، وقدرته فوق كل قدرة ، بل يجب أن نشكر ( الدفاع المدني ، والشرطة ، والمرور ، والهلال الأحمر السعودي ، والبلديات ) في جميع مناطق المملكة على ما بذلوا ويبذلون - كان الله في عونهم - . 5- أن الله أراد بالغيث أن لا يقنط عباده المؤمنون ، وأن لا ييأسوا { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }. 6- أن الله أراد أن يحِي الأرض بعد موتها ليذكرنا بعقيدة البعث { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ( 5) )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ( 6) )وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ( 7)} الحج . 7- أن الله أراد أن يستدرج من لا يشكر من عباده بهذه النعم { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } ( الأعراف:182) . وفي الختام يشرع لنا أن ندعوا الله – تبارك وتعالى – بأن يبارك لنا في هذه الأمطار ، فليست العبرة بكثرة الأمطار ، ولكن العبرة بالبركة التي ينزلها الله ، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن الرسول $ قال ( ليست السَنةُ بأن لا تمطروا ، ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً ) . وإلى اللقاء ... فهد بن سليمان بن عبدالله التويجري مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة المجمعة