انطلق في مكةالمكرمة مؤتمر تشاوري بين علماء المسلمين من مختلف المذاهب والبلدان لتحديد اطر للحوار والتلاقي مع الديانات الأخرى ويهدف خصوصا إلى التشاور بين المسلمين من مختلف المذاهب والبلدان حول مؤتمر الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة والذي اقترح الملك عبدالله عقده ، ومن المتوقع ان يضع مؤتمر الحوار الإسلامي إطارا للحوار مع المسيحية واليهودية ، فمنذ فترة طويلة والمفكرون مشغولون بقضية الحوار، ولا يكاد ينفضّ مؤتمر حول هذا الموضوع حتى نفاجأ بمؤتمر يتناول الموضوع نفسه، حتى برامج الإذاعات والفضائيات أصبحت أيضا تستقطب مثل هذه الموضوعات الرائجة ، وكأن مشكلات العالم الاسلامي المتفاقمة عبر حقب متطاولة قابلة للحل في ندوة أو مؤتمر مهما توافر من حسن نوايا المتحاورين ورغبتهم في الوصول إلى تفاهم حول قضايا معقدة تشكلت من خلال عوامل متعددة وراكمت رواسب كثيرة لا يعلمها إلا الله وحده.فمن المسلمات ان قصة الحياة منذ بدايتها تتمركز على محورين أساسين فيها: هما محور الخير والإصلاح، ومحور الشر والإفساد ولازالت أحداثها تدور حولهما إلى هذه اللحظة، هكذا أراد الله ليبتلي عباده الذين خلقهم وأسكنهم هذه الأرض وجعل لهم فيها رزقهم ومعاشهم وأعطاهم من العقول والإمكانات ما به يقومون على مصالحهم، وترك لهم الحرية لاختيار الطريق التي عليهم سلوكها في هذه الحياةومن رحمة الله سبحانه بعباده المسلمين أن امتن عليهم بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن أعظمها ابتعاثه إليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى على اي مسلم ان دين الكفار باطل سواء كان في الأصول والعقائد والفروع وحذر الله رسوله في آيات كثيرة من يطيع الكفار ولو في شيء يسير مما يدعونه إليه مخالفاً بذلك أمر الله كما قال تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً *ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا *إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا} وهذا تهديد عظيم للرسول لو ركن إلى الكفار ولو في شيء قليل. وفي هذا المعنى أيضا يقول تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير *ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} وقال أيضاً: {وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} وهذه كلها آيات ناهية للرسول أن يطيع المشركين والكفار ولو في شيء قليل مخالفا بذلك ما أنزله الله إليه وقد هدد الله رسوله هنا بكل أنواع التهديد إن هو فعل ذلك ومعلوم أن الرسول لا يفعل ذلك وإنما هذا تهديد لنا بطريق الأحرى والأولى.نعم يحتم الإسلام على أهله دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والحرص على هدايتهم والرغبة الأكيدة في تحولهم إلى الإسلام ولما كان هذا لا يأتي إلا بالدخول إلى النفوس من مداخلها واستجلاب رضاها وراحتها فإن الإسلام جعل سبيل الدعوة مع الكفار وغيرهم هو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين}ولذلك قال تعالى لموسى وهارون عندما أرسلهما إلى فرعون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} وهكذا أيضاً فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين والكافرين والمعاندين ممن عرض عليهم دعوته سواء كانوا من العرب المشركين أو اليهود أو النصارى جادلهم رسول الله بالحسنى ودعاهم باللين والبيان وصبر معهم صبراً طويلاً ولم يثبت قط أنه أهانهم أو اغلظ عليهم عند عرض الدعوة أبداً وذلك امتثالاً لقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}وقوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} ، وقوله: {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً} وقوله: {لست عليهم بمسيطر} وقوله: {فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} لذا فأن تكرارنا الى الدعوة إلى الحوار والتفاهم ، لا يعني ان تضل الدعوة ترفاَ في ظل اختلال ميزان القوى بين القوي والضعيف ، بين الحضارة الغربية المتغوّلة بالسلاح والمال والإعلام والفكر العنصري والحضارة الإسلامية التي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا، لانها حضارة قائمة بذاتها ، ولأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية ، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله.لذا فمهما اظهرنا للعالم أننا متحضرون ونملك القدرة على تقبل الآخر والتعايش معه، فإننا ننظر إلى القضية من زاوية ماذا نحتاج نحن ؟ وما الذي يرضينا ويدفع عنا الشرّ والضعف والخذلان؟ولكن ان ننظر إلى القضية من زاوية ماذا يريد الآخر منا ؟ وما الذي علينا أن نفعله لنرضيه ونثبت له أننا نقع ضمن دائرة مقاييسه التي ارتآها للتحضر والتمدن؟ فلماذا لا ننشغل بأنفسنا قبل أن ننشغل بالآخر؟ ولماذا لا نعمل على أن نمتلك عناصر القوة بكل تنوعاتها المادية والمعرفية امتلاكا حقيقيا كاملا، لا امتلاكا شكليا ؟بهذا الكلام لا يعني ان نرفض الحوار مع الآخر أو ان نغلق بابه ، ولكن الأولى لنا أن نلتفت إليه ونعمل عليه بصمت وإصرار ووعي وإرادة صادقة واعداددراسة لتجارب الحوار السابقة ، والوقوف على سلبياتها وإيجابياتها ، بهدف وضع خطة موحدة للنهوض بمستقبل الحوار وتطويره والتنسيق بين المؤسسات الإسلامية المعنية بالحوار ووضع آلية يمكن من خلالها توحيد الصف الإسلامي . عبد الله عبد الرحمن سليمان العايد [email protected]