شهدت مجتمعاتنا دخول بعض الظواهر الجديدة، المترافقة مع انفتاح سوقنا المحليّة على العالم، ليكون نافذة رحبة للتلاقح الاقتصادي والثقافي، فتدفقت السلع الوافدة، من شتّى الأقطار، ومن نتائجها، أن جلبتْ لنا، كمًّا واسعًا مما يتعارض مع ديننا وثقافتنا، مثل: الرموز المنتمية لجماعة «عبدة الشيطان» الغربية، والمنتشرة بين السلع والبضائع، بل هناك محلاّت برمّتها، مُختصّة ببيع منتجات تلك الجماعة، والموّجهة للأبناء من الجنسين بمختلف أعمارهم، و»عبدة الشيطان» منظمة لها فروع في بعض الدول الغربية، تمثلّهم كنيسة الشيطان المؤسسة من قِبل اليهودي انتون ليفي 1966، في أمريكا، وتنحو عقيدتهم لعبادة الشيطان نفسه. وقد عرفتها التقاليد المسيحية اليهودية، وعلى خلفية انتشار الديانتين الإسلامية والمسيحية، خرجت الشيطانية، رافضة ومتمردة على الديانات الإلهية. وكان ظهورها للعلن بعد الثورة الفرنسية، وإسقاط سلطة الكنيسة، واتباع أوروبا للأعراف العلمانية.( موسوعة المعرفة .marefa.org) ولديهم رموز ذات معانٍ دينية، فرأس الكبش يرمز إلى الإله، إلى الشيطان نفسه. والصليب المقلوب يدل على معارضتهم للمسيحية. ونجمة داود شعار مشترك بين اليهود وعبدة الشيطان، ورمز، ين يانج، المشير للتكامل بين المتضادات في الكون. والجمجمة والعظمتين، والنجمة الخماسية التي يتوسطها رأس كبش، والعين الثالثة والقرون. كلها تُوظف ضمن طقوسهم وعباداتهم. زارت مصادر أحد المحلاّت المُروِّجة، لبضائع عبدة الشيطان، في مجمع تجاري في المنطقة الشرقيّة (تحتفظ باسمه)، والتقطت صورًا للبضائع، كما التقت ببعض الباحثين والمختصين لمعرفة آرائهم في هذه القضية. غزو ثقافي يقول الباحث الشيخ منصور السيف: «مازلنا نعيش ظاهرة الغزو الثقافي، ولا شك أنها تستفحل يوما بعد آخر، بسبب تنوع وسائل الاتصال وانتشارها، الأمر الذي حدا ببعض الشباب، من الذكور والإناث، للتقليد الأعمى لما يرونه على الشاشات. ولعلهم يقلّدون دون معرفة العمق الثقافي والديني لما يرونه. فترتدي إحدى الفتيات صليبًا، لكنها لا تدرك ما هي قصته الرمزية! وفي الفترة الأخيرة برزت في مجتمعنا رموز لما يُسمّى بِ»عبدة الشيطان»، التي لا ينبغي النظر إليها ببراءة، دون الالتفات إلى ما ورائها من تنظيم محكم، هادف لاستقطاب الشباب، بغية استغلالهم لأهداف معينة، مما يجعلنا ندّق ناقوس الخطر. وإزاء هذه الحالة يجب التركيز على دور الوالدين في تربية الأبناء، ومنحهم حرية التعبير، ومعرفة مشكلاتهم، والإفصاح عن مكنوناتهم، وعمّا يدور بأذهانهم دون خجل أو خوف، والامتناع عن الأساليب الخاطئة المتمثلة بالضرب والسخرية أو منعهم عمّا يرغبون فيه، المؤدية إلى نفور الأبناء وممارستهم لما يريدون خفيةً عن والديهم. فالتربية دون اقناع لا تُجدي نفعًا. ويعزو علماء النفس، لجوء المراهقين لاقتناء مثل تلك الرموز، إلى الإهمال الأسري وسوء المعاملة تجاههم، وعدم مراعاة احتياجاتهم المعنوية والمادية، وبالتالي يندفعون لاعتناق أي فكر أو ثقافة جديدة أو غريبة عن محيطهم». ويُضيف السيف: «تدخل موسيقى الهارد روك والبلاك الصاخبة تارة، والحزينة تارة أخرى، في ممارسات عبدة الشيطان، وفي رموزهم، فتصيب من يستمع إليها بالاكتئاب والسخط والغضب، وهؤلاء يجعلون الانتحار عادة، ومنهم الشواذ جنسيا، وبعضهم يعبرون عن ذلك في ملبسهم ومظهرهم، وغالبًا ما تصلح تلك الأزياء، للإناث والذكور معًا، كالبنطلونات الضيقة والإكسسوارات والأحزمة والأساور المطليّة باللون الأسود في معظم الأحيان، لدلالة السواد على الحزن. ولديهم قصّات شعر، تميزهم وتجرى في صالونات حلاقة خاصّة بهم، مع تلوين بعض الخصلات بالأزرق والزهري والأخضر، ويمنّون الشباب بسعيهم لاكتشاف الخلود، وبه يستطيعون التغلّب على الله عزّ وجلّ. ونتيجة لذلك ينبغي إبعاد أولادنا عن اقتناء مثل تلك الرموز الموضوعة أساسًا لتلك الفئة. حتى لو لم يكونوا متبنين لها كمعتقد». ويُعلّق الكاتب والناقد حسين الخليفة، على ظاهرة وجود سلع مرتبطة بعبدة الشيطان في الأسواق، وعلى بيعها واقتنائها، بأن هذه السلع ذات تأثير ترويجيّ، ويقول: «ولهذا يُفترض الامتناع عن بيع تلك الأدوات، التي ترمز للحركات الهدّامة المُخالفة للدين الإسلامي. فهذه الرّموز على صلة بالدين والعقيدة، ومادامت تتصل بالدين، فبيعها يؤدي إلى رواجها، المؤدي بطبيعة الحال، إلى رواج أفكار تلك الحركات، كما لا يخفى الهدف المُغرض من وراء صناعتها والمُتاجرة بها، القائمة على القصدية والتخطيط، لا العشوائية». خالف تُعرف د. زهير خشيم ويصف الدكتور زهير حسن خشيم، استشاري العلاقات الأسرية ومعالج بالتنويم الإيحائي، لجوء الأبناء للتزّين بحليّ ولباس يحمل رموز عبدة الشيطان، بأنها رسائل رفض من الأبناء، لطريقة طرح الدين، وانتقد المحسوبين على الدين، وينفّرون الأبناء منه، بصوتهم المرتفع، وأوامرهم ونواهيهم، واستخدامهم لأسلوب المنع، فجعلوا الأبناء يتمرّدون على حالة الكبت. مبيّنًا أن هؤلاء الأبناء مضطهدون، ولذا يتبّعون قاعدة: خالف تُعرف، وأنهم غير ملومين، وذلك لغياب المناشط الترفيهيّة التي تستهويهم وتملأ فراغهم، كالسينما، ودعا للاستفادة من الملاعب الفارغة، وتطويعها لخدمة الأبناء فيما يحبونه ويرغبون فيه. ومذكِّرًا بسيرة القرآن الكريم، ونبيّنا العظيم: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ». خطابنا وخطاب الآخر ويتّفق الدكتور في علم الاجتماع، جبران مخظي، مع ما يراه الدكتور زهير، من غياب لدور السينما والمسرح والنوادي الرياضية ذات الأثر المهمّ في استقطاب الأبناء. لذا يلجأ الشباب إلى الاستراحات والأماكن المغلقة وإلى تبني ممارسات شاذة، تدفعهم للجريمة، ففي علم الجريمة، تعد هذه الأماكن، في ظل غياب الأنشطة فرصًا للجريمة وإحدى عواملها، ويُضيف: «من يُحرّم وجود السينما والمسرح وغيرهما هو غير مدرك لأثرهما الإيجابي، حيث لا يجرؤ أحد لارتكاب مُخلّ أو إجراميّ أمام جماهير عديدة، لذا ورغم أني لا أملك معلومة أكيدة عن وجود جماعة ممارسة لسلوكيات عبدة الشيطان، غير أن توقعي بوجود تنظيمات شيطانية شبه مؤكد، بسبب ما نلمسه، من تربية قسرية، في البيت، والمدرسة، والمسجد، وهذا الإجبار، يجعل الأبناء ينهزّون أي فجوة، للتمرّد على تلك التربية» ونبّه إلى دور التربية، وترك مساحة للاختيار والقناعات عند الأبناء، وإنّها بمثابة التحصين الداخلي لهم، في عالم مفتوح يصعب السيطرة عليه. وعن اقتناء الأبناء لما يحتوي على رموز عبدة الشيطان من لباس وزينة، قال مخظي: «يختلف سلوك الشباب بهذا الشأن، فهناك الشباب العاديّ، الذي يرتديها بدافع الصرعة والموضة، ولا علاقة لها في عقيدته. ولا يعرف الربط بينها وبين دلالتها. وهناك فئات شبابيّة تعاني اضطراب الهويّة الاجتماعي، المُتعلّق بالاعتقادات، فيصل الشباب في هذه المرحلة للسؤال عن المُعتقد الكامن خلف تلك الأدوات. وهنا يشكو الشاب من فراغ متعلق بالعقيدة، والهويّة الدينيّة، في نفس الوقت وغير مقتنع بخطابنا الدينيّ، فيبدأ بالمقارنة بين خطابنا وخطاب الآخر، ونتيجة لما يرى عندنا من بعض الخطابات المتشددة، التي تحرّم عليه السينما، والمسرح، وتكرهه على حلق شعره إن كان طويلاً، وغيرها، وعند الآخرين، كالمسيحيين مثلاً من تسامح ديني، ومرونة في التعاطي مع الأمور، وبالمقارنة بينهما تتزعزع ثقته بهويّته، فيتبنّى هويّة الآخرين، وأكثر التصرفات غير الملتزمة الصادرة عن شبابنا مثل تأثرهم بعبدة الشيطان، أو اعتناقهم للفكر الإلحادي، منشؤها عدم القناعة بذلك الخطاب المتشدّد غير العارف بالتغيّرات الحاصلة، في عصرنا الحاليّ. كما أن الخطاب الإعلامي للآخر، أشدّ تأثيرًا من خطابنا، لذا نجد بعض الشباب، متأثرا بسطوة الميديا، والإعلام الاجتماعي، وما يُبثّ فيه». تأثير سلبي ويؤكّد الدكتور عبدالله السلمان، من مركز التنمية للاستشارات التدريبية: «إن اقتناء أيٍّ من أدوات الزينة، والتي لها دلالة على فئة بعينها، سيكون لها تأثير على سلوك الإنسان. وستدفعه لأن يكون قابلاً لأي ممارسة مرتبطة بهذه الفئة، فالإنسان يبدأ من تقليد ومحاكاة الغير، التي تبدو في ظاهرها محدودة، في حين هي عكس ذلك. فلو حمل أبناؤنا أو بناتنا، من الزينة الدالة على جماعة عبدة الشيطان، كارتدائهم للباس أو إكسسوارات معيّنة، تحمل إشارات لعبدة الشيطان، مع الاستمرار عليها، سيتحولون إلى أشخاص ممارسين لتعاليم تلك الفئة. لأنّ التقليد مرتبط بالمشاعر في مرحلته الأولى، وبعدها تتطوّر القضية وتنتقل من مستوى المشاعر البسيطة إلى مستوى المعتقدات فالقناعات. الرأي القانوني المحامي أحمد الرشيد ويوضّح المحامي أحمد الرشيد، أن الأنظمة التجارية المعتبرة في السعودية، تُحظر استيراد أو بيع أو تصنيع جميع المنتجات أو المواد ذات الطابع الديني المُخالف لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة. وكذلك أي رموز أو أدوات ذات طابع عقائدي منحرف كتلك التي يستعملها المُغرّر بهم ممّن اصطلح عليهم مدلول عبدة الشيطان. كما أن النظام يحيل جميع من قام بالمتاجرة بهذه الممنوعات. أو استغلالها لأغراض شخصية، أو استخدامها أو الدعاية لها، للمحكمة المختصة (الجزئية)، وذلك لتعزيره وفقًا للجرم المُرتكب. تكاتف المجتمع بندر سليس ولفتَ المستشار القانوني بندر بن سليس، أنه لدى بحثه في أمهات الكتب التي تُلامس، تجريم بيع واستيراد مثل رموز عبدة الشيطان، والتي للأسف بدأت تنتشر في مجتمعنا المسلم، لم يجد نصًّا، يجرّم استيراد وبيع هذه الرموز بصفة خاصّة. ويُضيف: «من حق المجتمع في حال عدم وجود نصّ صريح لتجريم هذه الأفعال، الرفع للقضاء، وللقاضي سلطة موسعة في الحكم، ضدّ هذه الممارسات، وللمجتمع أن يرفع للجهات المختصة بالبلد، ليتكاتفوا في إصدار لوائح أو قرارات، أو تعليمات تجرّم مثل ذلك.» وزارة التجارة ويرى الأستاذ محمد سعود الثواب، مدير عام وزارة التجارة والصناعة بالشرقية، أن لديهم لجنة للمراقبة، تستقبل أي بلاغ من جميع المواطنين، وعند استقبالهم لبلاغ مُعيّن يخصّ سلعة معينة، فإنّ اللجنة تبادر إلى ضبطها، إذا كانت تخالف الشريعة الإسلامية. وأن هذه اللجنة المختصّة مكوّنة من وزارة التجارة، ووزارة الداخلية، والجمارك، تتابع وتهتمّ بالأمور الشرعية. ويُضيف: «مثلاً لو ضبطت اللجنة أحذية عليها عبارات مسيئة، ولم يكن هناك تقييم مسبق معروف لذلك، إذا كانت هناك ضبابيّة في الحكم على سلعة معينة، فإنها تُرفع للجهات المختصة. مسؤولية على المعلّم ويفرّق الدكتور عبدالكريم العليط مدير مكتب التربية في القطيف، بين نوعين من التقليد للغرب، أحدهما، نافع يتمثل في الاستفادة من علومهم، والآخر ضار ويشمل تقليدهم في مناسباتهم الدينية وأزيائهم ومعتقداتهم. ويضع على المعلّم مسؤولية توجيه الصغار والشباب نحو الأخذ بالمنافع وترك المضارّ. وعن ضرورة استحداث منهج باسم «التربية الإعلاميّة» لتمكين أبنائنا من التعامل بوعي إزاء ما تبثه وسائل الاتصال من صور ورموز لفئات عبدة الشيطان، فتجعلهم يتعلقون بها، ويسعون للبحث عنها، يقول: «لدينا في مناهجنا التعليمية، ما يحارب الاقتداء الأعمى بالغرب، ويُعزّز شخصية المسلم في أذهان الأبناء، ويرسم شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قدوة لهم.» ويُضيف «مع ذلك وجود منهج للتربية الإعلاميّة أمر جيّد وأمنية ذات أهداف كبرى». الرأي الفقهي د. محمد العلي ويُبيّن الدكتور الشيخ محمد العلي، أستاذ الثقافة في كلية الشريعة، الرأي الفقهي في اقتناء هذه الرموز، بقوله: «إذا كانت الرموز معروفة للآخرين، وهم يقتنونها على معرفة وعلم بها، فلا يجوز اقتناؤها ولا استعمالها، ويجب منع استيرادها» ويتوّقع العلي أنّ هذه الرموز مازالت مجهولة لدى الآخرين، والإنسان لا يؤاخذ على جهله. وعبّر عن خشيته من استهواء هذه الرموز الشيطانية، للشباب، وتأثرهم بأفكارها المنحرّفة. وأن الموقف الإسلاميّ والعقلاني من هذه العقيدة الإلحادية ورموزها، هو الرفض. وعند اكتشاف محلّ تجاري مُتخصص ببيعها، ينبغي إغلاق هذا المحل وقطع دابر الشرّ. ويدعو إلى تضافر جهود وزارة التجارة، والجهات الإسلامية، للوقوف على هذه القضية.