أصبح مبدأ حرية الإعلام "freedom of information" وبالاً على الحكومات الغربية حيث تحول هذا المفهوم إلى مفهوم أوسع تبناه مؤسس موقع "ويكيليكس" الاسترالي "جوليان آسانج" ليصبح هذا المفهوم بعد التعديل "Keep governments open" أي: لتكون الحكومات مفتوحه , والمقصود هنا هو إتاحة كافة المعلومات والوثائق المتعلقة بتعاملات الحكومة في كافة أمورها حتى الأمور التي تحدث في الغرف المغلقة. أصبح "جوليان آسانج" ومئات معه ممن يعملون بشكل سري في موقع "ويكيليكس" ويؤمنون بهذا المبدأ أصبحوا جميعاً رواد ثورة من نوع فريد صعد بسقف الحرية الصحافية إلى أبعاد لم يصلها من قبل , فعند تصفحك لموقع "ويكيليكس" ستقفز لذهنك فوراً فكرة أن "ويكيليكس" لم ترفع سقف الحرية فقط بل أنها قامت "بثقبه" أيضاً حتى تولدت هذه التسريبات بل "الطوفان" الذي أغرق العالم بملايين الوثائق. والمثير للإهتمام في سياسة "ويكيليكس" أنها بدأت بسبر أغوار جديدة لمعلومات ممنوعه "forbidden informations" ليست فقط حكومية بل أنها إمتدت وتوسعت لتشمل كل شيء فحتى شركة جوجل لم تسلم من تلك التسريبات حيث تجد وثائق تكشف أن شركة جوجل سبق وأن كشفت معلومات شخصية لصحفيين يستخدمون بريدها المعروف ب "جي ميل" من خلال تسليمها لجهات حكومية لايروق لها نشاط أولئك الصحفيين. وفي وثائق أخرى تجدها تتحدث عن تجاوزات خطيرة في منظمة الصحة العالمية "WHO" لم يتم الحديث عنها من قبل ككشفه عن الأعداد الحقيقية للمصابين بمرض الملاريا في أفريقيا. وفي ذلك مؤشر على أن "ويكيليكس" بصدد توسيع نطاق المعلومات المنشورة لتشمل كل شيء , أي أن مبدأ حكومات مفتوحة قد يتحول أو أنه تحول بالفعل الى Keep the world open ! إن تلفيق التهم لمؤسس "ويكيليكس" "جوليان آسانج" من قبل بعض الحكومات الغربية يدل وبشكل فاضح على الخطر الذي تشعر به تلك الحكومات من هذا الرجل ومن يدعمه في الخفاء ممن يعملون بشكل سري في موقع "ويكيليكس" , ماجعل خطي "حرية الصحافة والمعلومات" , و "سرية المعلومات" متداخلان بشكل كبير في سياسة "ويكيليكس". "ويكيليكس" كموقع لايهدف للربحية كما يقول مؤسسيه يواجه مشاكل تمويليه بعد أن تم تجميد كافة حساباته لدى شركات البطاقات الإئتمانية التي يحصل منها على التبرعات "donations" , فعند الحديث عن "ويكيليكس" فإننا لانتحدث عن موقع عادي على الإنترنت , فهذا الموقع وصلت تكاليفه السنوية الى نحو 200000 دولار سنوياً , نتيجة لمتطلبات نقل البيانات "Traffic" التي يتعرض لها بسبب كثرة الزوار ناهيك عما يتعرض له الموقع من هجمات حجب الخدمة المسماه "Ddos" من قبل جهات لايعجبها ماتم تسريبه من وثائق. وعند تساؤلنا عن سبب حصول "ويكيليكس" على هذه الوثائق وكيف فات الحكومة الأمريكية "وهي التي تسربت منها غالبية الوثائق" أن تحمي معلوماتها ووثائقها ؟ نجد الإجابة ماثلة أمامنا بعد أحداث 11 سبتمبر , فبعد تلك الأحداث أتاحت الحكومة الأمريكية مبدأ تبادل المعلومات والوثائق بين أجهزتها التابعة لها بشكل فوري وسريع وذلك ضمن سياسة محاربة الإرهاب , حيث تمت إتاحة مئات الآلاف من الوثائق السرية لعشرات الأجهزة الحكومية تسهيلاً لعملها في حربها ضد الإرهاب , الأمر الذي سهل الحصول على تلك الوثائق من قبل أشخاص مؤيدين لمباديء "ويكيليكس" ويعملون في تلك الأجهزة . وهنا يقفز إلى السطح تساؤل آخر: هل كافة الوثائق المنشورة على "ويكيليكس" حقيقية؟ في الواقع أن مسؤولي "ويكيليكس" أنفسهم يذكرون بأن التزوير قد يجد طريقه لبعض الوثائق , ولكنهم مع هذا يقومون بالتدقيق بطرق علمية في كافة الوثائق المنشورة كما أنهم يرون أن أفضل طريقة لكشف الوثيقة الحقيقية من المزورة هو بعرضها للناس وتحديداً المعنيين بالأمر. وبغض النظر عن ماتعارض الحكومات الغربية نشره من وثائق , ومايحمله "ويكيليكس" من مباديء فإن هذه "التسريبات" رفعت كثيراً من سقف الحرية الصحفية "وهي سابقة تاريخية" على الرغم مما صاحب ذلك من مشاكل وإتهامات وقضايا , الأمر الذي أدى إلى نشوء فكرة "الحق بالمعرفة" في أذهان ملايين حول العالم , والمطالبة بكشف المزيد من تلك الوثائق في وقت يعي كثيرون أن "ويكيليكس" ليست جهة قضائية تحاكم مقترفي الأخطاء ولكنها في ذات الوقت تخاطب القضاء والجهات الحقوقية حول العالم وتضعها أمام مسؤولياتها . * كاتب سياسي * مدير موقع بوابة عفيف