شاب يقتل حصاناً.. صبية يحرقون ثعلباً صغيراً.. شبان يعذبون قطة.. عناوين أصبحت معتادة بشكل متكرر في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى الحد الذي تخطت به مجرد وصفها ك"ظاهرة". ورغم مناشدات المختصين وعموم المواطنين من ناحية، وتوعد المسؤولين مرتكبي تلك الجرائم الشنيعة، بإنزال عقوبات رادعة من ناحية أخرى، إلا أنها تتكرر بصورة مستمرة تستفز مشاعر المتابعين. وإلى جانب تأثير عمليات تعذيب الحيوانات وقتلها، وكذلك الصيد الجائر في البر على الحياة الفطرية، واختلال توازنها بحسب المختصين، فإنها قبل ذلك تمثل مخالفة واضحة وصريحة لتعاليم الدين الإسلامي، وما حض عليه، ورغّب فيه من ضرورة المعاملة الحسنة للحيوانات وتجنب إيذائها. دين الرحمة وتزخر نصوص القرآن والسنة بما يدل على وجوب الرفق بالحيوان، وتحريم ظلمه وتعذيبه، فقد روي في تفسير قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ..) قيل: يؤتى بالناس وقوفاً يوم القيامة فيُقضى بينهم حتى أنه ليؤخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حتى يقاد للذرة من الذرة، ثم يقال لهم كونوا تراباً فهنالك يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً، وهذا من الدليل على القضاء بين البهائم، بينها وبين بني آدم حتى أن الإنسان لو ضرب دابة بغير حق، أو جوعها، أو عطّشها، أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بقدر ما ظلمها أو جوّعها. ومما جاء في الحث على الرفق بالحيوان والوصية بالعناية به، وعقوبة من ظلمه أو عذبه، ما جاء في البخاري ومسلم: (بينما كلب يطيف بِركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به، فسقته إياه فغفر لها به). وعن عبدالله بن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (دخلت النار امرأة في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) وفي رواية: (عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) أخرجه البخاري ومسلم. وعن عبدالله بن جعفر (رضي الله عنه) قال: (أردفني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لحاجته هدفاً أو حائش نخل، فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) حَنَّ، وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فمسح ذفراه، فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدنبه) أخرجه أبو داود رقم 2549 في الجهاد باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم. وعن سهل بن الحنظلية (رضي الله عنه) قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة) أخرجه أبو داود. وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) عن أبيه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد أحرقناها، فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن، قال إنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب النار إلا رب النار) سنن أبو داود الجهاد (2675)، مسند أحمد بن حنبل (1/404). وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه مر بِفِتْيَان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: "من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الرُّوح غرضاً) متفق عليه. حوادث متكررة وبلغة التاريخ نجد أن الأشهر القليلة الماضية، وحتى قبل أيام قليلة، شهدت العديد من حوادث تعذيب وقتل الحيوانات، سجل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعضها نذكر منه الآتي: -في 16 ربيع الآخر 1435ه: انتشر فيديو لشاب يعذب حصاناً مقيداً بضربه بسوط، بمنتهى القوة دون سبب. -30 رجب: شاب يعذب قطة بآلة حادة حتى الموت. -20 شوال: إعدام حصان بطلقة من سلاح ناري في الرأس. -5 ذو القعدة: شاب يقتل حصاناً برصاصتين إحداهما في قلبه والأخرى في رأسه. -10 ذو القعدة: شاب يقتل ثعلباً صغيراً بطلق ناري؛ انتقاماً للقبض على "أبو حواس" الذي ألقي القبض عليه قبلها بأيام لتعذيبه ثعلباً بطريقة مهينة. -18 ذو القعدة: شبان متهورون يحرقون ثعلباً صغيراً بعد حبسه داخل قفص حديدي. تحدٍ ولا مبالاة ويلاحظ من كل تلك الوقائع المتكررة أن من يقدم على جريمة تعذيب حيوان أو قتله، يوثقها بالصوت والصورة وكأنه يتحدى الجميع بما فيها الجهات المعنية، ولسان حال المتابعين: "من أمن العقوبة أساء الأدب". من جانبه، توعَّد رئيس الهيئة السعودية للحياة الفطرية، الأمير بندر بن محمد آل سعود، المتورطين في الفيديو الأخير، المتعلق بحرق الثعلب ب"العقاب الرادع"، وأكد أنه سيتم مباشرة التعامل مع المتورطين في المقطع بالرفع لوزير الداخلية، وتوجيه الجهات المختصة لإلقاء القبض عليهم. وقال: "إن قتل الحيوانات المفترسة التي تهاجم الإنسان والحلال لا يلام عليه أحد، فهذه طريقة التعامل في العالم كله مع الحيوانات المفترسة، إما بالقتل، أو الإمساك، ولكن طريقة القتل البشعة، والمجاهرة بهذا هو ما تعاقب عليه الأنظمة". لا يستحقون كوكبنا أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم، الدكتور عبدالله المسند، استنكر الحملة المسعورة ممن وصفهم ب"شرذمة سعودية مريضة ضد الحياة الفطرية"، مشيراً إلى أنهم يفجعون الناس بصور ومقاطع قتل وتعذيب الحيوانات. وقال: "إن بعض السعوديين أعداء للحياة الفطرية، ولا يصلح لهم إلا سطح المريخ، فهو أحق بهذه النوعيات من البشر، حيث لا يوجد ماء ولا هواء". وتابع: "الأوائل يصيدون ليأكلوا حتى يشبعوا، و(بعض) الصيادين – اليوم – يصيدون ليتباهوا ويفخروا"، مؤكداً أن هناك صيادين فوضويون دخلاء، وهم كثر في بعض المناطق، جل همهم قتل وتدمير كل متحرك من الكائنات؛ من أجل المتعة والتفاخر. وأضاف: "هؤلاء المفسدون لا يريدون أي حياة على الأرض، حتى الثعالب والذئاب بمواطنها لم تسلم منهم، بل ذهب بعضهم من منتكسي الفطرة إلى قتل النمل، والقطط، والكلاب"، مشدداً على أنهم اقتحموا المحميات، وقتلوا الحيوانات بدم بارد، "بل الأدهى والأمر هو تصوير جرائمهم ونشرها على النت؛ إمعاناً منهم بالتخلف واستهتاراً بالجهات المعنية والنظم المرعية بالدولة". وطالب "المسند" الجهات المعنيّة، وخاصة الشرعية منها، بالالتفات للمشكلة المخجلة التي بدأت تنحو منحًى عبثياً وتجارياً، على حد تعبيره. وقال: "المملكة تعاني من مشكلة شرعية وبيئية ووطنية من واقع الصيادين، ومئات المقاطع باليوتيوب تعج بالمآسي، وتعكس علاقة سيئة بين الإنسان السعودي وبيئته الفقيرة".