أَوْصَى فضيلة الدكتور فيصل بن جميل غزاوي إمام وخطيب المسجد الحرام بتقوى الله وإصلاح العمل، وقال في مستهل خطبته: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفرض علينا حج بيته الحرام، وجعله سبباً لدخول الجنان وتكفير الذنوب والآثام، أحمده تعالى وأشكره، وأستعينه وأستغفره، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كَثِيرَاً. أَوْضَحَ فضيلته في مطلع خطبته بالمسجد الحرام: أن لله تعالى الحكمةَ البالغة فيما يصطفي من خلقه ويختار، وليس لأحد من الأمْر والاختيار شيء: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة..) ومن هذا تفضيل بعض الشهور على بعض قَالَ تعالى: (إِنَّ عِدَّة الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ..)، مُضِيفَاً أن الله سبحانه وتعالى قد اختصّ الأشهر الأربعة بما لم يكن لغيرها، ونهى عن الظلم فيها وإن كان على كل حال عظيماً، وفي كل الشهور محرماً، إلا أنه في الأشهر الحرم أعظمُ خطيئة ووزراً. وأَضَافَ فضيلة الدكتور أن الأزمنة المقصود في الأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ويكفي شهرَ ذي الحجة شرفاً أن العشر الأول منه قد اختُصت بما ليس لغيرها من أَيَّام السنة، وشرف المكان فهذه مَكَّة البلدُ الحرام أقدس بقعة على وجه الأرض، وهي مَقْصِدُ كلِّ عابد وذاكر، فكفاها شرفاً ورفعة مُشِيرَاً إلى أن الله تعالى أقسم بها في كتابه الكريم فقال: (وهذا البلد الأمين) وجعلها حراماً فقال سبحانه: (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) حرمها الله على خلقه أن يسفكوا فيها دماً حراماً أو يظلموا فيها أحداً أو يصيدوا صيدها أو يقطعوا شجرها. وَأَكَّدَ فضيلة الدكتور الغزاوي أن في هذه الأجواء العظيمة المباركة يَأْتِي موسم حج بيت الله العتيق الذي جعل الله قلوب الناس تهوي إليه وترقُّ لذكره وتخشعُ عند رؤيته إجلالاً لله وتعظيماً لشعائره، قَائِلاً ها هي قوافل الحجيج وطلائع وفود الرحمن تتقاطرُ على البيت العتيق من كل فج عميق، وتفد إليه من أصقاع الأرض البعيدة والقريبة، وها هم حُجاج بيت الله وعمّارُه يتوافدون إلى البلد الحرام يحدوهم الشوق وتدفعهم الرغبة، منفقين في سبيل الله الأموال، تاركين الأهل وفلَذَاتِ الأكباد، غيرَ مبالين بما يلاقونه من المتاعب والمشاق في هذه الرحلة المباركة، مؤملين أن يحظوا بموعود رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه". رواه البخاري ومسلم. وألمح إمام وخطيب الْجُمُعَة إلى جمال ذلك المشهد، وأعظمَ تلك الصورة، عندما يجتمع المسلمون في موسم الحج في مجمع فريد ليس لأحد من الناس غيرِ المسلمين حيث أتى المؤمنون هذا البيت عُنوانَ التوحيد، ومهوى أفئدةِ الموحدين مهلين بالتوحيد الذي أهل به رسول الله صلى الله عليه: "لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إِنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" وهم يعلمون بما دلّت عليه التلبية من الإخلاص والتوحيد ووجوب إفرادِ الله وحده بالعبادةِ والبعدِ عن اتخاذِ شركاء مع الله مقرين بأنّ ربهم سبحانه المتفردَ بالنعمة والعطاءِ والهبةِ والنعماء لا شريك له هو المتفرِّدُ بالتوحيد لا ند له؛ ولذا فإن الملبي بهذه الكلمات حقاً وصدقاً لا يدعو إلا الله، ولا يستغيثُ إلا بالله، ولا يتوكّلُ إلا على الله، ولا يذبحُ ولا ينذِرُ إلا لله ولا يصرفُ شيئاً من العبادة إلا لله. وأَوْضَحَ فضيلته أن هذا المؤتمر العظيم والجمع الكبير الذي يرفع فيه شعارُ التوحيد يغيظُ أعداءَ الدين، وَيُعَدُّ عقبة كؤوداً في سبيل تحقيق مآربهم ونشر باطلهم وترويج معتقداتهم الفاسدة لقد شرقت نفوسُهم وحَصِرت صُدورُهم وعلموا أنهم مهما بذلوا من جهود وأنفقوا من أموال ليصدوا عن سبيل الله ويُخرجوا الناس من دينهم لن يستطيعوا تحقيق بغيتهم، وأنى لهم ذلك، وقد جعل الله للمسلمين من أسْبَاب التمكين والثبات والبقاء ما من شأنه أن تضعفَ وتخورَ كلُّ محاولة ووسيلة تسعى لإبادة المسلمين واستباحةِ بيضتِهم، موصياً بما يتجلى في هذه الشعيرة العظيمة أن الأمة تجتمع في الحج على توحيد الله تعالى، تجمعهم رابطة الدين والأخوة في الله، فالشعارات الأخرى لا قيمةَ لها ولا اعتبار، وتتجلى مظاهر الوحدة بكل أبعادها؛ فالحجاج والعمار على دين واحد ويعبدون إلهاً واحداً ووجهتُم واحدة وقبلتُهم واحدة وشعارُهم واحد وهم أَيْضَاً في هيئة وحالة واحدة، ونداءٍ وهتافٍ واحد، ويقفون في صعيد واحد، ويقومون بأداءِ عملٍ واحد وهم آخرَ الأمْر مطلبُهم ومَقْصِدُهم واحد. وَشَدَّد إمام وخطيب الْجُمُعَة بالمسجد الحرام على ساكني البلد الحرام والمقيمين فيه أن يستشعروا النعمةَ التي حباهم الله بها ويشكروه على منته وفضله وأن جعلهم من أهل الحرم وساكني البلد الحرام، مُوَضِّحَاً أن الحج عبادة عظيمة من أجل العبادات وقربة من أعظم القربات بل هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فعلى المسلم أن يبادر بأداء فريضةَ الإسلام إذا كان مستطيعاً ولا يسوف ولا يتراخى، فمن الأخطاء الشائعة أن يبلغ المرء سن الثلاثين والأربعين بل أكثر وهو لم يحج مع أنه قادر ولكنه يتشاغل ويتقاعس ويقول: تعب وإرهاق وازدحام فيمتنع بسبب ذلك، عجباً لحال هذا والرسول صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ) رواه أحمد وأبو داوود. وبين فضيلة الدكتور الغزاوي أنه قد أظلتنا أَيَّام مباركة، أَيَّام العشر الأول من شهر ذي الحجة، أَيَّام خير وفوز وفلاح، فمن أدركها وتعرض لنفحاتها سعد بها، إنها أفضل أَيَّام الدنيا، كما أخبر الصادق المصدوق صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي فرصة عظيمة للتزود والاغتنام وموسمها مشترك بين الحاجين والقاعدين يقول ابن رجب رَحِمَهُ اللَّهُ: «لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين». موصيهم بأن علينا أن نُري الله من أنفسنا خيراً وخَاصَّة في الأيام العشر التي بين النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضلها بقوله: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّام أفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: "وَلَا الْجِهَادُ؟" قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رواه البخاري. وفي رواية: («مَا مِنْ أَيَّام أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلاً أحَبُّ إلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأيَّامِ الْعَشْرِ، فَأكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه أحمد.