اشتعلت بعض المواقع الإِلِكْتُرُونِيّة ووسائل التواصل الاجْتِمَاعِيّ قبل عِدَّة أَيَّام بالحديث عن فتاة التنورة القصيرة التي ظهرت في أَحَد الْمُوَاقِعِ السياحية بملابس فاضحة كاشفة في مخالفة لكل معاني القيم الأخلاقية، والتعاليم الدينية، والتقاليد المجتمعية. وأنا لست بصدد الحديث عن موقف الفتاة، فهو في ذاته ليس محل تقييم؛ لأن الأمْر فيه واضح، بل وشديد الوضوح، ولا يحتمل جَدَلاً كبيراً، ولا مناقشات عريضة، فالتقاليد راسخة، والتعاليم واضحة، والنصوص قاطعة، لا يضرها من خالفها، كما لا يضر نور الشمس من فقد نور البصر، وسُلب نور البصيرة. بل العجب من استغلال هذا الحدث المموج في محاولة لزعزعة موقف المرأة السعودية من حجابها، وتصور القضية بأبعاد ضخمة للغاية، من يتابعها يشعر بأن المرأة في بلادنا مقهورة، مستغلة، مجبرة في كل الأحوال على ارتداء ثوب العفة والطهارة، وأنها تحتاج إلى من ينتشلها من هذا الواقع التعيس لتتنفس الحرية بَعِيدَاً عن لباس الذل والقهر! لقد تَابَعَتُ بشيء من القرب كيف تناولت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هذا الحدث، وكيف وظفت الصورة للوصول إلى أغراضها، حتى أنها على مدار يوم كامل (24يوليو 2017)، عرضت في صفحتها الرئيسة صورة الفتاة بتنورتها القصيرة في ثلاثة مواضع مختلفة، وبتناول صحفي مغاير. وانظر إلى توجيهها الخفي في سياق عرض القصة الخبرية، حيث استخدمت ألفاظ موحية ولها دلالتها الواضحة، فقد وَصَفَتِ الفتاة بأنها (نجمة مواقع التواصل الاجْتِمَاعِيّ المعروفة)، ثم استدعت جملة (تدخل جهات سعودية) في إشارة لإيقافها. وأوحت خبرياً أن هذا (التدخل) يواجه بتمرد على وسائل التواصل، فقالت في سياق تناولها الخبري: (لم يخفف التدخل الحُكُومِيّ بتوقيف الفتاة، من الجدل). وعند عرض وجه نظر الفريقين على مواقع التواصل استخدمت جملة: (المملكة التي تفرض زياً مُحَددَّاً على نسائها) في التعبير عن الفريق المعارض لتصرف الفتاة، بينما استخدمت جملة (احترام حرية اللباس واعتبروا ما قامت به الفتاة أمراً طبيعياً)، للدلالة على الفريق المؤيد لتصرف الفتاة! وتأمل هنا أنها وضعت الفريقين في سياق واحد؛ للتدليل على أن المجتمع السعودي منقسم على نفسه بسبب تصرف الفتاة!! وأننا بصدد قضية جدلية في المجتمع السعودي، وأن هناك (فريقاً) مؤيد، وهناك (فريق) معارض، في لي عنيف للحقائق وتوجيه صحفي مستفز، ومخالف لأبسط قواعد المهنية والحيادية الصحفية. إن موقف بي بي سي هو ذاته الموقف الذي تجده من الغرب حيال هذه الموضوعات الساذجة والتافهة التي لا يخلو منها مجتمع، بيد أنهم ينفخون فيها من سحرهم وكذبهم؛ كي تُبتلع الحقائق الواضحات والآيات البينات، وما يعلمون أنه لا يفلح الساحر حيث أتى!