ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب خطبة الجمعة، وذكر في مستهل خطبته: أيها المسلمون، لما أراد الله -عزّ وجل- أن يبلوا المؤمنين ومن التحق بركاب الإسلام, وشاء أن يمتحن فيهم برد اليقين وصدق الإيمان, فاوت بين أحواله وداول بين أيامه, فما بين علو وانكسار وعز وانحسار.. فمن أسلم زمن الرخاء فإن أزمنة الشدائد كفيلة بكشف حقيقة تدينه, ومن استقام تمشياً مع المجتمع المحيط به خذلته المتغيرات, ولو دام أمر الإسلام رخاء وانتصاراً للحق به من يطرب للرخاء ويعبد النصر, ولو لم يعبد الله. وبين فضيلته أن عمر الإسلام يفوق ألفاً وأربعمائة عام, كان في أكثر من ألف عام منها هو المسيطر والمتمكن, سلطاناً وحضارة, وعزاً وحضارة, وكان مخطوب الود مهاب الجانب, أكثر من ألف عام رفع الله بها الأمية عن أتباعه إلى الريادة في العلم والحضارة, ومن التشرذم إلى الاجتماع, ومن الخوف إلى الأمن, ومن الفقر إلى الغنى, ومن الضيعة إلى التمكين, ومن التبعية إلى القيادة. وأضاف آل طالب: أيها المسلمون، لقد مجّد الله أهل الثبات فقال سبحانه: (من المؤمنين رجال صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً), وإن الأمة اليوم بأمس الحاجة لمواقف راسخة ثابتة, ولقدوات مستقيمة قادرة على تحمل أعباء المرحلة الحرجة والمسؤوليات المتزايدة نتيجة الغثائية التي تمر بها الأمة, والضعف والوهن والتراجع, مع كثرة التلون والانهزامية. واستطرد: إن أمة موعودة بحسن الجزاء عند البلاء, والثواب لدى مكابدة اللأواء, ومثابة على الدعوة وعلى الدعاء, مبشرة بخير الدارين عند اللقاء, لا يجوز لفرد منها أن يقنط أو يحزن, ولا ينبغي لصالح فضلاً عن مصلح, أن يعتبر الإسلام عبئاً وهماً أو يغتم لأجل تراجع أفراد أو جماعات عن بعضه أو كله, فالهم والغم يحبطان المرء ويضعفان سعيه أو يقطعانه, والأمة فيها خير كثير, والواجب رعاية هذا الخير وتنميته, وحراسته من عاديات السوء, وتربية النفس والنشء على خوف الله وتقواه, فإن هذه النظرة تعين المصلح على التوازن في سعيه للإصلاح, وتبعده عن الطيش في تعامله أو المبالغة في ردود أفعاله, ومنار طريقه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر).