الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    الرياض الجميلة الصديقة    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    المملكة وتعزيز أمنها البحري    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    مبدعون.. مبتكرون    هؤلاء هم المرجفون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قال في خطبة الجمعة: التدبير وترشيد الاستهلاك والحذر من الاقتراض أبرز معالمها القطامي: 7 تطبيقات عملية لإدارة الأزمات المالية
نشر في التميز يوم 15 - 10 - 2016

اعتبر إمام وخطيب جامع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيزآل سعود -رحمه الله- بمدينة الرياض، ناصر بن علي القطامي، أن التقلبات الاقتصادية، والتحولات المالية أحد قوانين الحياة، وهي من سنن الله في هذا الكون، فالأوضاع الاقتصادية تمر بمتغيرات عدة، فمن مرحلة الانتعاش إلى مرحلة الرواج، ومن ثم إلى مرحلة الأزمة والتي يطلق عليها الركود أو مرحلة الكساد؛ حيث عرض ل 7 تطبيقات إسلامية تحل الأزمات المالية.
وكان "القطامي" قد تحدث في خطبته، اليوم الجمعة، عن الوسائل التطبيقية للمنهج الإسلامي في إدارة الأزمات المالية، مؤكداً حاجة الأمة، اليوم، دولاً ومؤسساتٍ وأفراداً إلى تأمل هذا المنهج الإسلامي الفريد، وتطبيق سياسته، وتحقيق معالمه.
حب المال أمر فطري
واستفتح "القطامي" خطبته قائلاً: "مما لا شك فيه أن المال ضرورة في الحياة، فهو أحد الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، فالعبد يحتاج المال في كل شؤون حياته؛ فبه يجلب الناس مصالحهم، ويستدفعون الضرر عن أنفسهم، وبه تقام العبادات والمعاملات، ويتعفف الناس عن ذلّ السؤال".
ولذلك حَثَّ الإسلام على السعي لكسب المال من وجه مباح والحصول عليه خالياً من الظلم والتعدي وأكل الأموال بالباطل، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه} [الجمعة: 10]، وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]، قال السعدي: "أي علم اللَّه أن منكم مسافرين للتجارة ليستغنوا عن الخلق".
وأكد أن الخلق قد جُبِلوا على الاشتغال بأرزاقهم، والسعي خلف دنياهم؛ لتأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم وأبنائهم، وقد يشقّ على البعض تدهور الظروف الاقتصادية من حوله، والتي يشهدها العالم أجمع، لكن حبال المؤمن الممدودة بخالقه، وثقته المتصلة بسيده، تجعله في أمان من ذلك كله؛ إذ إن إيمانه بأن الرزق وَالْأَجَل قرينان مضمونان، فَمَا دَامَ الْأَجَل بَاقِياً كَانَ الرزق آتِيَاً.
وهو مع ذاك قوي النفس، شديد العزم، على السعي في الأرض، وبذل الأسباب، {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ في مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]. وكلما استنشق المؤمن نسائم الوحيين، وتدبر معانيها، وعمل بمقتضاها، كانت له بلسماً ومحفزاً في سائر أحواله، فالرزق كله بيد الله سبحانه وتعالى: قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 22، 23].
ثم استطرد قائلاً: "فما أحوج الأمة اليوم؛ دولاً ومؤسساتٍ وأفراداً، إلى تأمل المنهج الإسلامي الفريد في إدارة الأزمات المالية، وتطبيق سياسته، وتحقيق معالمه، ومن أبرز تطبيقات المنهج الإسلامي في إدارة الأزمات المالية:
أولاً: اليقين بأن الدنيا لا تدوم على حال: فمن سنة الله جلّ وعلا في الأيام والأحوال أنها لا تقر على أمر دائم، بل هي سريعة التقلب والزوال، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فمن المحال دوام الحال؛ فالحال تتقلب وتتغير وهذه من سنن الله سبحانه وتعالى في خلقه، وهي سنة كونية اجتماعية أجراها الله سبحانه وتعالى في الناس، فالناس لا تستمر حالهم على حال واحدة، بل هم في مناوبة وتعاقب بين الغنى والفقر، والشدة واليسر، والفرج والكرب، فتارة فقر، وتارة غنى، وتارة عز، وتارة منصب، وهكذا.
"الرزق كله بيد الله"
ثانياً: الثقة بوعد الله ورزقه لخلقه؛ فإن العبدَ إذا أيقن بأن الأجل محدد، وأن الرزق مقدر، واطمأن قلبه بذلك؛ فإنه لن يجزع من فقر أصابه، أو جائحة أتلفت ماله، ولن يشغل نفسه بالدنيا عن عمل الآخرة؛ لأنه يعلم أنه مهما سعى واجتهد وأجهد نفسه فلن يكتسب إلا ما كُتب له، لا سيما إن كان يفقه قول الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]، وقوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [العنكبوت: 60].
يقول ابن كثير رحمه الله: "لا تطيق جمعه ولا تحصيله، ولا تدخر شيئاً لغد، {الله يرزقها}، أي يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث لكل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء".
ويقول الإمام "الجصاص": "فيه إخبار بأن رزق الجميع على الله تعالى، والله سيسبب لهم ما ينفقون على الأولاد وعلى أنفسهم، وفيه بيان أن الله تعالى سيرزق كل حيوان خلقه ما دامت حياته باقية، وأنه إنما يقطع رزقه بالموت، وبين الله تعالى ذلك لئلا يتعدى بعضهم على بعض، ولا يتناول مال غيره؛ إذا كان الله قد سبب له من الرزق ما يغنيه عن مال غيره".
وهذا أصل مهم من أصول الإيمان؛ أن يعلم الجميع أن رزق الله تعالى الذي قدره لا يفوت العبد، بل لا بد من تحصيله، وقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقَها}.
والإنسان بطبعه همَّام جمَّاع، يُهمه رزقه، ويحب جمع ما فضل عن حاجته، قال عليه الصلاة والسلام: "أجملوا في طلب الدنيا فإن كُلاً ميسر لما كُتِب له منها"، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبدٌ ليموت حتى يبلغ آخر رزقٍ هوَ له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال وترك الحرام".
"الاتصال بالله مفتاح الفرج"
ثالثاً: اللجوء إلى الله تعالى واستغفاره، والاستعانة به؛ فإن ملاذ المسلم دائماً وأبداً في أي نائبة هي اللجوء لربه سبحانه وتعالى، والتضرع إليه والاستعانة به سبحانه وتعالى، واستغفاره.
والله -عز وتعالى- عند ظن عبده به، وقد أوصى الزبير بن العوام ابنه عبدالله بقضاء دينه وقال له: "يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه بمولاي"، فقال له: "يا أبتِ من مولاك؟" فقال: "الله"، قال عبدالله: "فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضِ عنه دينه فيقضيه".
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستغفار كطريق لتفريج الكربات، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ومن الأذكار الواردة في هذا الشأن قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فقد قال مكحول: "من قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ من الله إلا إليه كشف الله عنه سبعين باباً من الضر أدناهن الفقر".
وليعلم المؤمن أن الله ما أغلق على عبد باباً بحكمته إلا وفتح له أبواباً برحمته، وقد يأتي الفرج في طيات الكرب، وكم في المحن من منح، قيل لعُمرَ رضي الله عنه: اشتدَّ القحْطُ وقَنَطَ الناسُ، فقال: "الآن يُمْطَرون. وأخذ ذلك من هذه الآية: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].
وقال بعضُ الحكماء: "إنَّ الإنسانَ لا يأتيه الفَرَجُ، ولا تُدركُه النجاةُ، إلا بعد إخفاقِ أملهِ في كلِّ ما كان يتوجِّه نحوه بأملِه ورغبتِه، وعند انغلاقِ مطالبِهِ، وعَجْزِ حيلتِه، وتَنَاهِي ضَرِّهِ ومحنتِه، ليكونَ ذلك باعثاً له على صَرْفِ رجائِهِ أبداً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وزاجراً له على تجاوز حُسْنِ ظنِّه به".
"حسن التدبير في إدارة المال"
رابعاً: من الوسائل العملية التطبيقية التي أسس بنيانها، ورسّخ دعائمها المنهج الإسلامي الفريد "حسن التدبير في المال"، فالعاقل الفطن هو من يحسن إدارة أمواله، فحسن التدبير من تمام الحكمة، يقول أحد السلف: "حسن التدبير مفتاح الرشد، وباب السلامة الاقتصاد".
فالمسلم مطالب بأن يحسن التدبير في أموره المالية، فلا إسراف ولا تقتير، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء: 29].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي: ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملوماً محسوراً. ومتى بسطت يدك فوق طاقتك، قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهو: الدابة التي قد عجزت عن السير، فوقفت ضعفاً وعجزاً".
وقد أورد ابن أبي الدنيا في كتابه "إصلاح المال" عن معاوية رضي الله عنه، قال: "إصلاح مال في يديك، أفضل من طلب الفضل من أيدي الناس، وحسن التدبير مع الكفاف أحب إليّ من الكثير".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أيها الناس، أصلحوا أموالكم التي رزقكم الله عز وجل، فإن إقلالاً في رفق، خير من إكثار في خرق".
"القناعة كنز لا يفنى"
خامساً: ومن الحلول الشرعية والاقتصادية حال نزول الأزمات المالية: القناعة بالقليل فهي سبب من أسباب البركة. وقد روي عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه".
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغنى في القناعة، فيقول صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟" قلت: نعم، يا رسول الله، قال: "فترى قلة المال هو الفقر؟" قلت: نعم، يا رسول الله. قال: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب".
"الهم الواحد"
سادساً: من التطبيقات العملية حال الأزمات المالية: التشارك المجتمعي، والشعور النفسي، سيما من القدوات وأهل اليسار والثراء، فقد نزلت في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أزمة مالية شديدة، وحلت بالناس نازلة عظيمة، حتى سمي عامها بعام الرمادة، أو عام المجاعة.
وحينما وقعت المجاعة اتخذ الفاروق رضي الله عنه، أموراً عدة لتفادي هذه الأزمة، كشف ذلك عن حكمة الفاروق رضي الله عنه، وبراعته في إدارة هذه الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالأمة كلها، وقد وصف عمر رضي الله عنه سياسته تجاه هذه الأزمة الخانقة في قوله: لئن أصاب الناس سنة لأنفقن عليهم من مال الله ما وجدت درهما، فإن لم أجد ألزمت كل رجل رجلاً.
وأضاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً: لو لم أجد للناس ما يسعهم، إلا أن أدخل على كل أهل بيت عدتهم فيتقاسموا أنصاف بطونهم، حتى يأتي الله بخبر ما فعلت، فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم، وبدأ الفاروق رضي الله عنه يُعمل سياسة التقشف على نفسه وأهل بيته.. فحرّم رضي الله عنه على نفسه أكل اللحم عام الرمادة، حتى يأكل الناس جميعاً، إن تقشف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يكن مجرد عبادة، وإنما كان منهجاً للرعية، من ناحية ووسيلة الإحساس بمشكلات الأمة من ناحية أخرى.
"عرق الجد يغسل فضلات الكسل"
سابعاً: من الوسائل العملية المعينة على إدارة الأزمات المالية: 1- الحرص على العمل وزيادة الدخل: فمما ينبغي على المرء إذا نزلت به نازلة، أو ضائقة مالية أن يسعى إلى إثراء مصدر دخله وتنويعه، فلا يعتمد على مصدر واحد، وعليه ألا يحتقر أي عمل كان، فنبينا صلى الله عليه وسلم اشتغل برعي الغنم، ومن قبله عدد من أنبياء الله "عليهم السلام".
في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من خير أعمالكم الحرث والغنم، وهو من عمل الأنبياء، وصاحب الحرث يؤجر في كل ما أصيب منه بعمله أو بغير عمله، حتى أنه يؤجر فيما ضرب الطير وجرت النملة والذرة".
فما أسعد المسلم، حين تعتدل أمامه مسالك الحياة، فيعمل ويتصبب عرقه، فيزكيه ذلك العرق ويطهره من فضلات الكسل وجمود النفس، ويكسب الكسب الحلال الطيب، وتستقيم يده، وهي تنفق من هذا الكسب الكريم، ويدخر لنفسه ما يحتاج إليه في غده. قال رسول الله لسعد بن أبي وقاص: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"، فالإسلام لا يعرف المؤمن إلا كادحاً عاملاً، مؤدياً دوره في الحياة، آخذاً منها، معطياً لها {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ في مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
2- ومنها: ترشيد الإنفاق: فمن الضروري في حال الأزمات المالية أن يُرشّد الإنسان طرق استهلاكه، فيقدم الأهم على المهم، وما هو ضروري وعاجل على ما حقه التأخير والتأجيل، ومن ذلك ترشيد الاستهلاك في عدم الإكثار من المباحات، ووسائل الترفيه، بل ينال المرء ما يحتاج منها باتزان واعتدال.
ومن مسالك الترشيد تقليل المصاريف الاستهلاكية، فقد تأثر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة، حتى تغير لونه، فروى الصحابي الجليل عياض بن خليفة، قال: رأيت عمر عام الرمادة، وهو أسود اللون، ولقد كان أبيض، فتقول: مم ذا؟ فيقول: كان رجلاً إعرابياً، وكان يأكل السمن، واللبن، فلما أمحل الناس أصابتهم المجاعة، حرّمها حتى يحيوا، فأكل الزيت، فتغير لونه وجاع وأكثر.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التنعم ولو كان بالمباحات؛ لأنه مظنة للسرف، وتضييع المال، فقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين"، والترشيد لا يكون في المأكل والمشرب والملبس فحسب، بل يكون في العمران والأثاث والمراكب والملابس والمطاعم وغيرها، فإن منهج الإسلام تربية الناس لا على الاستهلاك وإنما على الاستغناء عن الأشياء بدل الاستغناء بها؛ حتى لا تستعبدهم المادة كما هو حال كثير من الناس اليوم؛ إذ أصبحوا منساقين بلا إرادة ولا تبصُّر إلى الإسراف وهدر الأموال فيما لا ينفع تقليداً لغيرهم، أو للتباهي بها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونحوها.
"أتون الديون"
3- ومن الوسائل المعينة على إدارة الأزمة المالية: الحذر من الاقتراض والاستدانة، فمن أهم الأمور اللازمة حتى لا تتراكم الأزمة: أن يتجنب الإنسان الاستدانة قدر استطاعته، فالدَّين مشروع لكن العاقل لا يعمد إليه إلا في حال الاضطرار الشديد، شريطة أن يكون لأجل توفير الاحتياجات الضرورية، وليس توسعاً في المصاريف الاستهلاكية أو المستلزمات الكمالية؛ لأن ذلك مما يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية، فالدَّين يكثر الهم، ويشغل الذمم؛ ولذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يستعيذ منه، فعن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال".
"صور الديون المعاصرة"
وتغيير الأسماء لا يغيّر من حقيقة المسميات، فقد يُستدرج الواحد منا للوقوع في فخ الديون بأسباب عدة منها: أولاً: ثقافة التساهل في الاقتراض التي سوقت لها كثير من البنوك وشركات التقسيط، حتى أضحى العقل الباطن لدى فئات كثيرة مستسلماً ومنقاداً لها، فالتقسيط بداية المذلة والانزلاق في أتون الديون، إن البعض يفرح بشراء الجديد بالتقسيط، وينسى أنه سيدفع ثمن هذه الفرحة باهظاً إذا لم يستطع السداد، ولن يشفع له إغراءات الإعلانات وتشويق بريق الدعايات.
وثانياً: عدمَ الاقتصاد في المصروفات، والتوسعَ في توفير الكماليات، ولا يعني ذلك عدم ورود الحاجة إلى الاقتراض، شريطة أن يكون في حدود ضيقة، فقد روى البخاري -رحمه الله- عن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي عليه الصلاة والسلام اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل، ورهنه درعاً من حديد"؛ لأن من فوائد الرّهن أن يبادر المستدين إلى أن يكون جاداً في سداد ديونه.
وثالثاً: الوقوع في فخ البطاقات الائتمانية، فقد تبيّن أن مَنْ يستعملها يقع في محظورين: أحدهما: الإسراف في المصاريف والاستغراق في الديون، وثانيهما: الوقوع في دائرة الرِّبا، إن لم يستطع السداد في المدة المتفق عليها.
"ابن عثيمين: "التهاون في أمر الدين غلط وسفه"
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وكثير من الناس يتهاون بأمر الديْن، فيستدين لأمور كمالية لا حاجة له بها، بل قد يستدين لأمور محرمة تلحقه بالمسرفين، وهذا غلط: سفه في العقل وضلال في الدين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد الرجل الذي طلب منه أن يزوجه ولا مهر لديه أن يستقرض! بل قال له: "التمس ولو خاتماً من حديد"، مع أن الزواج أمر ضروري من حيث الفطرة، ومشروع من حيث السنة، ومع ذلك لم يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقترض".
"إذا سَد عَلَيْك طَرِيقا بِحِكْمَتِه، فتح لَك أبواباً برحمته"
ثم ختم "القطامي" خطبته بالإشارة إلى أن من أجلّ الوصايا وأنفسها أن يفرغ المؤمن قلبه مما في أيدي البشر، وأن يُيَمم وجهه شطر رب البشر، فخزائن الرزق بيده، ومفاتح العطاء في كرمه، فثق به كما أمرك، يساق لك رزقك كما وعدك.
قال ابن القيم رحمه الله: "فرِّغ خاطرك للهم بِمَا أُمرت بِهِ، وَلَا تشغله بِمَا ضَمن لَك، فَإِن الرزق وَالْأَجَل قرينان مضمونان، فَمَا دَامَ الْأَجَل بَاقِيا كَانَ الرزق آتِيَاً، وَإِذا سَد عَلَيْك بِحِكْمَتِهِ طَرِيقا من طرقه، فتح لَك برحمته طَرِيقا أَنْفَع لَك مِنْهُ، وَالْعَبْد لجهله بمصالح نَفسه، وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه، لَا يعرف التَّفَاوُت بَين مَا منع مِنْهُ، وَبَين مَا ذخر لَهُ، بل هُوَ مولع بحب العاجل وَإِن كَانَ دنيئاً، وبقلة الرَّغْبَة فِي الآجل وَإِن كَانَ علياً، وَلَو أنصف العَبْد ربه وأنى لَهُ بذلك، لعلم أَن فَضله عَلَيْهِ فِيمَا مَنعه من الدُّنْيَا ولذاتها وَنَعِيمهَا أعظم من فَضله عَلَيْهِ فِيمَا آتَاهُ من ذَلِك، فَمَا مَنعه إِلَّا ليعطيه وَلَا ابتلاه إِلَّا ليعافيه، وَلَا امتحنه إِلَّا ليصافيه".
فهنيئا لمعاشر أهل الإيمان؛ إذ إن أمر المؤمن كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، والله -جل وعلا- حكيم عليم، يُدبر الأمر، ويُسير الخلق، والعبد عبده، والخلق خلقه، ولا إله غيره، يصرف الأمور كيف يشاء، لا رادّ لأمره، ولا دافع لقضائه، وله الحكمة البالغة في أقداره، وتوزيع أرزاقه {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}، وجود الله لا يُحد، وكرمه لا يُعد، والمؤمن مأمور ببذل الأسباب، والرزق كله بيد مسبب الأسباب، فلا تجزع لضائقة، ولا تقلق لكرب، ولا تغتم لهم، فرزقك مقسوم، وقدرك معلوم، وأجلك محتوم، فعلام الهموم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.