لم يُجمع الرأي العام في المجتمع السعودي -فيما أعلم- على قضية وطنية في السنوات القليلة الماضية مثل إجماعه على أن الأداء الإعلامي لوسائل الإعلام الرسمية أو الخاصة المحسوبة عليه لا يرتقي لمكانة وطن بحجم المملكة العربية السعودية وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي. بل إن كثيراً من الأصوات الوطنية -على اختلاف مشاربها- ترى أن هذا الإعلام هو المحور الضعيف، والجناح الكسير لدولة تخوض معركة عسكرية في الجنوب، وتتأهب في الشمال، وتقود تحالفات، وتواجه تحديات من قوى متعددة. لم يكن هذا هو الرأي الشعبي فقط تجاه المؤسسة الإعلامية، بل إن مجلس الشورى في جلسة حديثة له انتقد صراحة أداء الإعلام الرسمي، وناقش مظاهر ضعف الأداء الإداري والمالي، وطالب بإحضار المسؤول الأول عن الإعلام إلى المجلس لمساءلته، ومما قيل في مجلس الشورى – وهو حق نعرفه جميعاً- أن المواطنين في الإعلام الجديد وشبكات التواصل لهم مخرجات وتأثير أكبر من تأثير الإعلام الرسمي!! المتابع لما يجري في مجتمعنا وحوله من أحداث يلحظ تأثير المواطن في مواكبة هذه الأحداث، والتفاعل معها، والوقوف مع الوطن والقيادة من خلال مشاركاته وإبداعاته في الإعلام الجديد، وإسهامه الفاعل في نقل رسالة المملكة إلى الجمهور المستهدف في الداخل والخارج وبلغات مختلفة، وهو ما يتفوق على أداء وزارة الإعلام بكل موظفيها وميزانيتها وصلاحياتها!! لقد أدرك المواطن أهمية الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة عموماً، وما يراد بالمملكة على وجه الخصوص من جهات في الداخل والخارج، وقام – ولا يزال- بجهود كبيرة لتجسيد مفهوم (إعلام المواطن)، الذي أسهمت في ظهوره التقنية الاتصالية الجديدة والمتسارعة، محققاً بذلك جملة من الأهداف التي تستند إلى المنطلقات التي قامت عليها الدولة وتوحدت. ففي المجال السياسي -على سبيل المثال- لا الحصر قام المواطن بما يلي: 1- التأكيد على الوحدة الوطنية، في ظل الزلازل التي عصفت بالدول من حولنا في وقت الثورات العربية. 2- الإسناد الإعلامي لعاصفة الحزم. 3- كشف مخططات إيران والتمدد الصفوي، وفضح وكلائه ومؤيديه في المنطقة. 4- الحديث عن سيناريوهات الدول العظمى في المنطقة، وتأثيرها على المملكة خاصة ودول الخليج عامة. 5- تبني موقف المملكة من الأحداث المصيرية، مثل ما يجري في سوريا والعراق وغيرها. وفي المجال الديني والاجتماعي، نذكر ما يلي على سبيل المثال أيضاً: 1- توحيد الصفوف وتنسيق الجهود لمواجهة محاولات التغيير الاجتماعي الذي يتعارض مع ثوابت الدين والقيم الإسلامية، تعزيزاً للوحدة الوطنية، وتنفيذاً لما نص عليه النظام الأساسي للحكم والسياسة الإعلامية للمملكة. 2- الممانعة المجتمعية من خلال المشاركة الواعية للمواطن فيما تنشره وسائل الإعلام الخاص مما هو معارض لقيم المجتمع، أو يمثل تحدياً لها. 3- التصدي للدعوات التي تطلقها (هاشتاقات) وسائل التواصل، والتي تنادي بالتمرد على الموروث القيمي والأخلاقي في المجتمع، وغير ذلك كثير. وفي المجال الثقافي، بذلت النخب السعودية مجهوداً كبيراً في تعويض النقص الذي تعاني منه وزارة الثقافة والإعلام في المجال الثقافي والحضاري. فقد بادر النخبويون -على اختلاف تخصصاتهم- إلى توظيف وسائل الإعلام الجديد في خدمة برامجهم ومناشطهم، فنرى محاضرات تُنقل، ومجالس مفتوحة للجمهور، وحوارات في قضايا متنوعة، وغير ذلك مما يضيق المقام لتعداده. هناك مجالات مهمة حظيت باهتمام بالغ من المواطن، وشارك فيها بفاعلية واقتدار إعلامي مميز، مثل المجال الأمني، وكشف قضايا الفساد الإداري والمالي، والنقاش الواعي حول ما تصدره الحكومة من قرارات تهم المواطن، ونحو ذلك. ولكن: هل يعني هذا كله أن الإعلام الرسمي والخاص المحسوب علينا معفيّ من المساءلة عن دوره الباهت، بل الغائب؟ بالتأكيد لا، بل إن النقد الذي يوجه له من المجتمع ومؤسساته الرسمية، وقيام المواطن بتعويض غياب هذا الإعلام حتى أصبحنا نشعر بالوجود الافتراضي لشيء اسمه: (وزارة المواطن للثقافة والإعلام) إنما يؤكد ضرورة المراجعة الشاملة للمؤسسة الإعلامية، على مستوى: المسؤول، والموظف، والإمكانات، والصلاحيات، ومساءلة للإعلام الخاص المحسوب علينا بأن يكون معنا في كل شيء، وليس في شيء دون شيء، أو ينقض الغزل الذي نبنيه. البنية الإعلامية الرسمية لم تعد في حاجة إلى ترميم، بل إلى هدم ثم إعادة بناء. أما الإعلام الخاص المحسوب علينا فيحتاج إلى عاصفة حزم تعيده إلى مساره ليكون معنا لا علينا.