أتت الى العيادة سيدة في الثلاثين من عمرها تشتكي من ضيقة شديدة في التنفس خصوصا عند بذل أي جهد بدني، وتشتكي كذلك من الخفقان المتقطع بين فينة والأخرى، وإرهاق وتعب وخمول وتورم في رجليها، وآلآم في الصدر في بعض الأحيان. وهذه الأعراض شديدة لدرجة أنها لم تستطع القيام بأداء واجباتها اليومية، بل إنه يغمى عليها عدة مرات خلال الأشهر الماضية، ومما يزيد الموضوع حيرة لها وللطبيب المتابع لحالتها، أنها لا تعاني من مرض السكر ولا الضغط ولا فقر الدم ولا قصور الكلى ولا ربو مزمن في الرئتين ولاتجلطات في القدمين … بل إن جميع فحوصاتها سليمة، ومن ضمنها الغدة الدرقية، وقد مرت على عدة أطباء في الداخل والخارج خلال الثلاث سنوات الماضية وكان الجميع يقولون إن فحوصاتها سليمة، من تخطيط وتصوير للقلب بالأشعة الصوتية، ولكنها كانت دومًا لا تستطيع إكمال فحص جهد القلب بالسير الكهربائي، فكان بعض الاطباء يقولون إنها عدم لياقة، وبعضهم يقول إنه قلق وتوتر نفسي يجب أن يعالج عند طبيب نفسي، حتى إنها ذهبت إلى طبيب نفسي وجربت الأدوية النفسية ولم تتحسن.! ومما زاد الأمر سوءً أن أعراضها تدهورت كثيرا في الأشهر الأخيرة حتى إنها أصبحت تصلي جالسة. اشتبه الطبيب من فحصها في مرض ارتفاع الضغط الرئوي، وحيث إن أدقّ فحص للتأكد من وجود هذا المرض أو نفيه هو قسطره من نوع خاص لقياس الضغط في الشريان الرئوي، حيث وجد أن متوسط الضغط الرئوي لديها 70 ملم من الزئبق (الطبيعي في حدود 15-20 ملم من الزئبق) وتم إعطائها العلاج المناسب لحالتها وتحسنت أعراضها كثيرا على هذا الدواء. إن المقصود بالضغط الرئوي ليس الضغط الشرياني المعروف بين الناس، ولكنه نوع من الضغط مستتر داخل الرئتين لا يمكن قياسه إلا بطريقة مباشرة كما ذكرنا أعلاه، أو غير مباشرة بالأشعة الصوتية للجانب الأيمن من القلب، ولكن هناك 10-15% من الحالات تكون فيها هذه الأشعة الصوتية طبيعية. ويُعتبر هذا المرض من أكثر الامراض مخادَعة للطبيب والمريض معًا؛ لصعوبة تشخيصه، وفي الوقت نفسه لخطورة عدم علاجه المبكر. وأخيرا؛ لأنه يمنع على المرأه الحمل إذا كانت مصابة بهذا المرض، لأن ذلك يؤدي إلى تدهور حالتها المرضية بسرعة. ومن المأثورات التي تتوارثها الأجيال في كليات الطب، مقولة: "إن هناك أمراضا قليلة في بني البشر تأتي بكل شكل وكل لون ويصعب على الطبيب تشخيصها، ويجب أن تكون في ذهن كل طبيب شاب، وهي مرض الزُّهري، ومرض السل، ومرض الحمى المالطية"، أما في أمراض القلب فبلا شك أن ارتفاع الضغط الرئوي هو المخادع الأكبر بجدارة.!