في اليوم العاشر من محرم الذي نصومه شكراً لله حين نجا موسى وبني إسرائيل من كيد الظالمين { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }. جال الخاطر في سورة الشعراء حين فصّل لنا الكبير المتعالي مشهد انتصار الحق على الباطل في تصوير بياني بديع فقال جل ذكره: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أصحابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أكثرهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) } موسى عليه السلام وقومه العزل من السلاح أمام البحر يقفون في حيرة من أمرهم العدو خلفهم والبحر أمامهم ولا سفينة معهم وما بهم قوة على خوضه.. ها هو فرعون يقترب بجنوده المدججين بالأسلحة يطلبونهم بلا رحمة.. حينها بلغت القلوب الحناجر، وبلغ الكرب مداه، وصاح أصحاب موسى فزعين معلنين نهايتهم { إنا لمدركون } فلا مناص ولا معين! إلا قلباً واحداً كان ثابتاً راسخاً يعلم أن ربه ناصره ومنجيه فقال بيقين الموحد: { كلا إن معي ربي سيهدين} لم يكن يدرك كليم الله كيف سيكون المخرج، لكن إحسان ظنه بربه ولّد صدق توكله وكمال يقينه بأن الله ناصره ولن يخذله فمن صدق مع الله في توكله كفاه، وعلى قدر اليقين تكون الكفاية.. ما أن انتهى كليم الرحمن عليه السلام من نون {سيهدين} إلا وجاء الفرج بفاء التعقيب الدالة على الفور بالأمر الذي جعله المستعان سببا في الخلاص. هذا اليوم يجدد لنا ذكرى ذاك المشهد العظيم الذي فيه بشرى للمؤمنين المستضعفين المضطهدين.. بشرى للمهمومين والمكلومين.. بشرى انتصار الحق والعدل المبين.. لنجدد في قلوبنا الشكر واليقين وكمال التوكل.. ونزرع في نفوسنا الفأل وحسن الظن بالله.. يا صاحِبَ الهَمِ إن الهَمَ منفرِجٌ… أبشر بِخيرٍ فإنَ الفارِج اللهُ اليأسُ يقطعُ أحياناً بصاحِبِهِ… لا تيأَسَنَ فإِن الكافيَ اللهُ إذا بُليتَ فَثِق باللهِ وارضَ بِهِ… إن الذي يكشِفُ البَلوى هُوَ الله اللهُ يُحدِثُ بعدَ العُسرِ ميسَرةً… لا تَجَزَعَنَ فإنَ الصانِعَ اللهُ و اللهِ مالَكَ غَيرُ اللهِ مِن أَحَدٍ.. فَحَسبُكَ اللهُ في كلٍ لَكَ اللهُ يا ناصر المستضعفين.. يا من فلقت البحر لموسى فأصبح كالطود العظيم انصر عبادك المستضعفين وأوليائك الصالحين، واهزم فراعنة عصرنا يا عظيم.