الضجيج لايهدأ، والنعيق لا يتوقف، وطوفان تحرير المرأة يموج ويفور، والناطقون بلسان المرأة والمصدرون أنفسهم نيابة عنها لا يهدؤون ولا يسكتون، فإذا تكلمتْ هي عن نفسها وطالبت بأولوياتها الحقوقية اتهموها بالرجعية وأنها عدوة نفسها، وأنهم أعلم منها بحاجاتها وبحقوقها..! كل ما عليها هو أن تسكت وتترك لهم حرية التفكير والحديث والقرار عنها.! ومن هذا الضجيج المستمر ضجيجهم حول معضلة "عمل المرأة وبطالة المرأة"، حتى صارت شغلهم الشاغل، وتفتحت قرائحهم وانقدحت أفكارهم بالمشكلة والحل في ذات الوقت. والحق أن الأمر –حقيقة- معضلة ومشكلة تتطلب بحثا وتستدعي حلولا، وفي هذه المقالة أحاول الإسهام في تجلية المشكلة من خلال تحرير المصطلحين (عمل المرأة – وبطالة المرأة). أما بالنسبة لمصطلح عمل المرأة (المأجور) فلا خلاف أن الأصل شرعا جوازُ عمل المرأة واكتسابها بشرط أن لا يوقعها العمل في مخالفة شرعية من تضييع واجب أو الوقوع في محرّم. بل إن المجتمع المسلم بحاجة لفئة عاملة من النساء لتلبية احتياجات النساء في التعليم والتمريض والتطبيب وغير ذلك من مجالات متجددة تحتاجها المرأة، وهذا يعتبر خروج بالمرأة عن الأصل لتحقيق الصالح العام. فالإسلام لا يعارض عمل المرأة، لكنه كرمها وأغناها عنه إلا إذا رغبت، حيث إن مسؤولية العمل وكسب المال والإنفاق تقع شرعا على عاتق الرجل في حين أن المرأة لا تتحمل مسئولية الإنفاق على أي أحد، حتى على نفسها. أما مصطلح (بطالة المرأة) فهو مصطلح رأسمالي لا يتناسب ونظام الاقتصاد الإسلامي، فالمرأة في الإسلام تعمل تزَّيُدا، ذلك أن المرأة حاجتها مكفية من وليها الذي تجب عليه شرعاً نفقتها، سواء كانت أماً، أو أختاً، أو زوجة، أو ابنة، فإن لم تجد فالدولة تنفق عليها، وإذا أحبت أن تتزيد بالعمل لترفع مستواها الاقتصادي فهذا مباح لها وليس واجبا عليها، بعكس الرجل الذي يعمل فرضا وواجبا وليس تزيّدا. وغني عن القول أن مصطلح البطالة الذي يتحدثون عنه يستمد نموذجه من الأسلوب الغربي، الذي ينظر للمرأة كفرد مستقل، مسؤول عن نفسه مسؤولية تامة، وليس له حقٌ عند أحد ولا على أحد حتى لو كان ذلك الأحد هو والدها أو زوجها أو ولدها. ضمن هذا الإطار يتم التعامل مع المرأة الغربية الكادحة ويجري حاليا فرض دلالاته على المرأة السعودية بالقوة رغم منافاته ومعارضته وسلبه لأهم حقوقها الأساسية وهو "حق الولاية" الذي يجب أن تطالب به وبما يتوجب على الرجل نحوها بموجبه. وإذا نظرنا لمفهوم البطالة سنجد اختلافات الاقتصاديين بشأن تعريفه؛ لأن هذا المصطلح يستخدم لوصف ظواهر عديدة مختلفة، كما أنه يعني أشياء مختلفة في بلاد مختلفة. لكن المتفق لديهم أن مفهوم العمل هو ذاك الذي يؤدى نظير أجر نقدي محدد، وكل عمل داخل نطاق الأعمال غير الربحية (أي غير مدفوعة الأجر) Unremunerated work لا يعتبر بالمفهوم العالمي أنه (عمل). وبهذا تكون ربة المنزل التي تعمل في بيتها "عاطلة" بدون أجر، فلا اعتبار للأمومة وتنشئة الأطفال ورعاية المنزل والزوج، ولا حساب لها كخدمة من أهم الخدمات التي يحتاجها الوطن، ومن الأعمال المقدرة والمعتبرة. يقول الشيخ صالح الحصين في مقاله : المرأة بين العمل الحر والعمل المأجور: "- عمل المرأة في الأسرة تحت قوامة زوجها وهامش حرية المرأة في أدائه واسع أو غير محدود، وصيغة التشاور فيه أظهر من صيغة الأمر والنهي يظله فيء العاطفة وندى المشاعر، وعلاقة المرأة بمن له القوامة علاقة المودة والرحمة… - عمل المرأة في الأسرة غاية في ذاته ، يلبى للمرأة أشواقها ويحقق لها الإرضاء النفسي، أما عمل المرأة المأجور خارج الأسرة فهو وسيلة للحصول على الأجر الذي تحتاجه بدرجات متفاوتة لتحقيق أشواقها ورغباتها." وفي ذات المقال يقول رحمه الله: أوردت مجلة البنات التي تصدر بإشراف الرئاسة العامة لتعليم البنات في المملكة العربية السعودية في عددها الرابع عشر خبراً مضمونه أن شركة تأمين بريطانية قامت بدراسة للتقييم الاقتصادي لعمل المرأة المتفرغة لإدارة شؤون الأسرة، وكانت نتيجة الدراسة أن عمل مثل هذه المرأة من حيث الحجم يبلغ معدل تسع عشرة ساعة في اليوم، ومن حيث التقييم المادي أثمن شيء تملكه أي أسرة. ختاما: نحن بحاجة شديدة عندما نتناول قضايانا أن نحرر المصطلحات، ونحدد محل النزاع فيها وفقاً لمفاهيمنا، وأما إذا بقينا نستورد المصطلحات بمعزل عن دلالاتها ومفاهيمها، وعن مفاهيمنا نحوها، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة وستظل معالجاتنا مريضة وحلولنا مشكلة. والله من وراء القصد.