أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي المسلمين بتقوى الله عز وجل ، فتقوى الله أكبر وأجلُّ أسباب النصر والتمكين والتوفيق الإلهي، وما سبق من سبق ولا ارتفع من ارتفع ولا عز من عز إلا بما وقر في القلوب ورسخ من تعظيم الله وإجلاله وتقواه. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام :ها نحن قد فارقنا عن قريب أياماً من أعظم أيام الله المشهودة، وشهراً هو خير شهور السنة، وقد كنا من قبل نهيئ النفوس لاستقباله والإعداد له ثم في سرعة عجيبة انقضت أيامه ولياليه المباركة بما حملناها من أعمال ختم عليها فلا تفتح صحائفها إلا بين يدي العليم الخبير يوم العرض الأكبر عليه سبحانه فمن وجد خيرا فليحمد الله، وهنيئاً له القبول والرضا، والدخول من باب الريان إلى جنات النعيم حيث يوفى الصائمون الصابرون أجرهم بغير حساب، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ولا يُعَاتِبَنّ إلا ذاته، فالله تعالى قد بلغه الشهر المبارك وفتح له فيه أبواب رحمته وفضله ولكنه أبى واستحب العمى على الهدى، وكلكم يدخل الجنة إلا من أبى. وأضاف قائلا : إن من أهم الأمور عند المسلم بعد انتهائه من العبادات والأعمال أن يتقبلها الله منه فتراه يعمل ويتقرب إلى الله بصدق وإخلاص لا رياء ولا سمعه ولا حياء في مدح أو ثناء ثم هو يخاف أن لا يتقبل الله منه، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وهو يقول سبحانه ( إنما يتقبل الله من المتقين) أي: الذين اتقوا الله في ذلك العمل وعملوه بإخلاص وصدق على وفق السنة وهم مع ذلك في خوف وإشفاق أن لا يقبله الله، ولذلك كان من وصف عباد الله المؤمنين، (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) ، وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية من هم أهلها ، أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ويزنون فقال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون أن لا يقبل منهم) أخرجه أحمد والترمذي وقال الحسن البصري رحمه الله: يعملون ما عملوا من أعمال البر وهم يخافون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم، وإن المؤمن جمع إحساناً وخشية، وإن المنافق جمع إساءةً وأمناً. وأكد الشيخ الغامدي أن المسلم الصادق يمشي في دروب الحياة سائراً إلى الله على جناحي الرجاء والأمل، والخوف والحذر ، فيعمل الصالحات ويرجو من الله القبول ، ويأمل في رحمة أرحم الراحمين وكرمه، وهو مع ذلك يخشى عذاب الله وسخطه ويخاف من تقلب الأحوال وفجأة النقم وأن يحول الله بينه وبين قلبه فلا يقبل منه أعماله، ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبَّ قائم وقارئ للقرآن ليس له إلا التعب والسهر، ورُبَّ قلب يقال له: لا لبيك ولا سعديك، فقبول الأعمال عند الله ورضاه عنها وإثابتُه عليها هو أمنية الصالحين وبغية العابدين، وسَلْوة السائرين إلى الله ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب). وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، أن من أخطر الآفات التي تعترض المسلم في سيره إلى الله، أن يصاب بداء الفتور والكسل ويبتلى بآفة الخمول والانقطاع عن العمل، وقد نص الله على قومٍ أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون، فكيف بمن تفتر همته عن العبادة وينقطع عنها، وحذرنا سبحانه من حالة أولئك الذين يُشيدون بنيان أعمالهم بقوةٍ ويتقربون إلى الله ثم ينقطعون وينقضون بنيانهم (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا)، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبدالله بن عمرو : ( يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح قال صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل عمل شِرَّةً ) يعني اجتهاد ونشاط، ولكل شِرَّةٍ فترةً فمن كانت فترته إلى سنَّتي فقد اهتدى ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك،وثبت عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لكل شيء شِرَّةً ولكل شرة فترة فإنْ صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه ). وبين فضيلته أن الفتور والانقطاع يصيب العابدين والعاملين أثناء العمل والعبادة وبعدها، هو اختبار من الله وابتلاءٌ لعباده حتى يعلم الصادق المحبَّ من غيره، ويتبين من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإنْ أصابته فتنة انقلب على وجهه، والسعيد الموفق هو من يكون فتورُه عارضاً مؤقتاً وهو في أثناء ذلك مقيم على السنة والطاعة والإتباع، يسدد ويُقارب ويعالج نفسه بحكمة وبصيرة حتى يعود مرة أخرى إلى العمل والطاعات والقربات بانشراح الصدر وقوة وثبات، هذا هو الصادق مع الله الذي علم الله إخلاصه وصدقه فوفقه وثبته ولم تزل قدمُه في وقت فتوره ولم تتبدلّ مفاهيمُه،وتتغيرْ علاقتُه بربه ولم تعدل ظنونه به سبحانه. وقال : أما الهالك حقاً فهو الذي كان فتوره وانقطاعه عن العبادة والعمل بوابة نفذ منها إلى التخفف من الواجبات والفرائض والتساهل في المحرمات، قد نقض ما بناه، وانهدم عراه، وتفسخت عزائمه، واعترته شياطين الإنس والجن واتبع هواه فمالت به الدنيا ذات اليمين والشمال فإما أن يقع في بدعة أو تبديل وتحريف أو غلو وتطرف، أو تفريط وتساهل، وقد قص الله علينا موقف عالم بني إسرائيل الذين آتاه الله علماً بآياته ثم بهرته مباهج الدنيا وزينتها فاتبع هواه وأخلد إلى الأرض وفترت همته عن الحق وخرج عن سمت العلماء ووقارهم وانسلخ من آيات الله فوقع في التخريف والتبديل والغواية ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه). وتابع فضيلته قائلا : إن المسلم حقاً من تكون تقوى الله شعاره طيلة عمره ورشاده مدة حياته، ويكون عمله بالطاعات واجتنابه المعاصي والخطيئات ديدناً له ومنهجاً وسلوكاً، يغتنم الأوقات والمواسم الفاضلة في التعبد والتقرب ويعود نفسه الخيرات حتى تصبح له عادة حميدة وخلقاً وسجية، فإذا انقضت مواسم الخير لم تجده بعدها غافلا لاهياً أو ناقضا عزم الجد والاجتهاد ساهياً، فالله تعالى لم يجعل لانتهاء وقت العبادة والتقرب إليه أجلاً دون الموت ، كما قال سبحانه: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين). وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن من أشنع الفجور وأكبر الكبائر عند الله أن يتورط المرء عن عمدٍ وإصرار في سفك دماء طاهرة بريئة، وأنفس معصومة، وينتهك حرمة الزمان والمكان بتفجير وتخريب متعمد، يراد منه إهلاك الحرث والنسل وإحداث الفوضى والعبث بالأمن وزعزعة الاستقرار لتحقيق مآرب سيئة ومقاصد خبيثة وأهداف تخريبية، يقف من وراء ذلك كله عصابات مجرمة وتنظيمات إرهابية طائفية وأعداء حاقدون اتخذوا من أغرار جهلة سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان أدوات ووقوداً لإشعال حريق الخراب والفوضى وعدم الاستقرار في بلاد المسلمين وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وقال: إن ما حدث في هذه البلاد المباركة حرسها الله خلال أيام رمضان المبارك وفي آخرة على وجه التحديد من تفجير وسفك للدماء وترويع للآمنين حتى وصل الأمر إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو فاجعة لكل مسلم غيور ومحب للحرمين الشريفين وداهية محزنة مؤلمة ومحيرة ومقلقة في آن واحد، محزنة ومؤلمة لأنها حصلت في بلاد الحرمين مأرز الإيمان ومهبط الوحي، وقد راح ضحيتها مسلمون أبرياء ورجال أوفياء رحمهم الله جميعاً، وكادت أن تصل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه لولا عناية الله ثم جهود رجال الأمن – قواهم الله -، وهي كذلك محيرة ومقلقة لأن كل العقلاء يتساءلون من أين أتى هؤلاء المعتدون الجهلة الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وانتهكوا الحرمات والمقدسات والأزمنة الشريفة، وكيف وصلوا إلى هذه المرحلة الخطيرة من الاستخفاف بالدم والحرمات حتى استرخصوا سفك دماء الوالدين والأقرباء والأبرياء في انتهاك صارخ لحرمة الزمان والمكان المقدسين. وشدد الدكتور الغامدي على أن هذه الظاهرة غريبة كل الغرابة عن مجتمعات المسلمين وعن بلاد الحرمين على وجه الخصوص، وتلك البلاد المباركة التي عاشت وما تزال بحمد الله في ظل الاعتدال والوسطية وسماحة الإسلام، حكاماً ومحكومين، مما يؤكد تأكيداً بالغاً على أن هذه الظاهرة تقوم على أفكار ضالة متطرفة، وتصورات منحرفةٍ بعيدة كل البعد عن مجتمعنا المسلم، يتولى نشرها وبثها أعداءٌ حاقدون، هم في الحقيقة حاملوا لواء الفساد والإفساد والإجرام وزعزعة الاستقرار والأمن، في محاولة يائسة بائسة لتشويه وإفساد ما تنعم به بلادنا من أمن وأمان وصحة عقيدة ومنهج وخدمة ورعاية للحرمين الشريفين. وقال : هذه حقيقة يجب أن يعيها المسلمون في كل مكان وهي تستدعي منا أن نقف بحزم وعزم ضد هذه الظاهرة المؤلمة المحزنة وذلك من خلال التكاتف والترابط ووحدة الصف والكلمة ونبذ النزاعات والخلافات الجزئية الفرعية والتراشق بالتحزبات والتصنيفات المقيتة، وأن يتداعى كل من له قدرة على التأثير والإصلاح والتوجيه من العلماء والمفكرين والسياسيين ورجال الثقافة والإعلام الفضائي والتواصل الاجتماعي إلى تحصين المجتمع وأبناءه وفضح هذه الشبهات والأفكار والتحذير منها والوقوف مع ولاة الأمر وأن يكون الجميع على قدر عالٍ من الوعي والمسؤولية وتفهم خطورة المرحلة، وكل واحد منا على ثغرٌ عظيم في حراسة الحرمين الشريفين وكل واحد منا له واجب عليه أن يؤديه. وأضاف فضيلته قائلا " إن الدفاع عن بلاد الحرمين ومقدسات المسلمين وعقيدتهم ودينهم من مقامات الجهاد العلية على الحقيقة ومن أوجب الواجبات المرعية، وأجل القربات الشرعية، ألا فلتخسأ قوى الشر الحاقدة التي تسعى لزعزعة الأمن والفوضى والفساد والإفساد، ألا فليموتوا بغيضهم وحقدهم الدفين الموروث، فوالله الذي لا إله غيره إن دين الله منصور وبلاد الحرمين محفوظة بحفظ الله ورعايته، ومقدسات المسلمين وحرماتهم بأيدٍ أمينة حازمة ستضرب بقوة وعزم وبلا هوادة، وتقطع كل يد تسعى للتخريب والفوضى وانتهاك حرمات المسلمين ومقدساتهم، ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).