رحبت صحيفة "جلوب أند ميل" الكندية بالوثيقة التى أصدرها شيخ الأزهر د. أحمد الطيب وعدد من "المثقفين"، والتى أعربوا فيها عن تأييدهم لدولة مصرية حديثة وديمقراطية ودستورية، وهي الوثيقة التي قوبلت برفض قطاعات كثيرة من علماء الأزهر ودعاته ورموز العمل الإسلامي في مصر. واعتبرت الصحيفة فى افتتاحيتها، الأحد، أن نفي الطيب فى هذه الوثيقة لإباحة الإسلام للدولة الكهنوتية أو الدولة الدينية إنما يحمل انتقادات ضمنية لإيران. ورأت أن الوثيقة التى أصدرها الطيب وعدد من "المثقفين" ليست سياسية لكنها تؤيد الفصل بين السلطات وتساوي الحقوق لجميع المواطنيين. وطائفة كبيرة من هؤلاء "المثقفين" الذين تقاطروا على مشيخة الأزهر قبيل إصدار هذه الوثيقة هم "من أصحاب المواقف الحديَّة شديدة التطرف تجاه الإسلام، والذين مثلت الخلفيَّة الأيدولوجيَّة لهم دافعًا لهذه المواقف المتطرفة، فقد ضمَّ الوفد أسماء مثل جابر عصفور الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة وأحد كبار منظري الفكر الإقصائي للتيار الإسلامي في عهد مبارك، وهو ماركسي قديم ساهم بدور كبير في "مركسة" الثقافة المصريَّة، وكان دائمًا ما يدفع بجوائز الدولة التقديريَّة والتشجيعيَّة تجاه أصحاب المواقف السلبيَّة من الإسلام كسيد القمني الذي لعب دورًا في منحه جائزة الدولة التقديريَّة رغم تواضع مستواه العلمي، وتشكَّك الكثيرون في شهادة الدكتوراة التي يدَّعِي امتلاكها واعتباره الرسالة المحمديَّة عملًا طائفيًّا …" وفق ما جاء في مقال نشرته "المصريون". كما ضمَّت قائمة "المثقفين" أسماء مثل ليلى تكلا، وجمال الغيطاني، وسمير مرقص، وصابر عزب إلى غير ذلك من الأسماء المعروفة بتطرفها الشديد تجاه الإسلام. وأشارت الصحيفة الكندية إلى أن القلق من دور جماعة الإخوان المسلمين فى مصر فى مرحلة ما بعد الثورة هو الذى جدد محاولات الأزهر لإثبات الذات، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تغيير فى موقف الإخوان. ومضت الصحيفة تقول إن هناك بلا شك درجة كبيرة من المصلحة الذاتية فى وثيقة الأزهر التى تدعو إلى فصل جامعته عن الدولة، لكن حتى هذا الأمر مرحب به، فالمجتمع المدني، الضعيف فى مصر، سينمو من صعود مؤسسات الحكم الذاتى ولاسيما تلك الخاصة بالتعليم العالى. وخلصت "جلوب أند ميل" إلى القول بأن الديمقراطية الليبرالية فى مصر ستتطلب فى نهاية المطاف ما أسمته "إزالة المكانة الدستورية للفقه الدينى". وفى الوقت الحالى، قدم الأزهر الذى يعود عمره إلى ألف عام خدمة جيدة لمصر ولباقي العالم العربي والإسلامي من خلال تمسكه بالمبادئ السياسية الحديثة. رفض الوثيقة: وقد قوبلت وثيقة الأزهر برفض كبير من قطاعات كبيرة من علماء الأزهر ودعاته ورموز التيار الإسلامي في مصر، حيث رأوها "محاولة من التيار العلماني من أجل تفريغ الإسلام من مضمونه، خاصَّة في إشارته إلى التزام مبدأ (اقتصار الشريعة على النصوص القطعيَّة الثبوت والقطعية الدلالة فقط (والتي يرى د. خال صقر في مقال له ب "المصريون" أن وثيقة الأزهر بإقرارها لهذا المبدأ الفاسد تفتح الباب لعدة مصائب كارثيَّة، أولها هدم ما تبقَّى من حجية المذاهب الفقهيَّة الأربعة في أنفس الناس، وثانيها انتشار الاعتزال الحداثي والمناهج الفكريَّة الإلحاديَّة، أما ثالث المصائب التي تمهّد لها الوثيقة بهذا المبدأ الفاسد هي العلمانيَّة، فإن الباب سيُفتح لإنكار كل النصوص المتعلقة بأحكام القضاء الإسلامي وما ترتَّب عليها من اجتهادات لعلماء الإسلام على مرّ التاريخ بزعم أنها ليست قطعيَّة الدلالة". ويرى متابعون للقضية أن الذي رحب بوثيقة الأزهر التي وصفت بأنها "فخ جديد نُصب للأزهر ومشيخته" هم العلمانيون والليبراليون والغرب. وقد رحب بها أحد رؤوس الليبراليين في مصر وأكثرهم إثارة للجدل، وهو يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء؛ حيث أشاد الجمل، المعروف بعدائه للتيار الإسلامي ومن أبرز المنادين بإلغاء المادة الثانية من الدستور، في بداية جلسة اجتماع مجلس الوزراء السادس عشر، يوم الأربعاء (22-6-2011)، بالوثيقة الصادرة من الأزهر. كما وصفها في أحد البرامج بأنها "وثيقة التنوير"، مشيرا إلى أنه اقترح على ائتلاف الأحزاب أن يجعل من المبادئ التي جاءت في نهايتها مرجعية للائتلاف. الإسلام لم يعرف "الدولة غير الدينية" طوال تاريخه: وقد انتقد الدكتور محمد أبو زيد الفقي الأستاذ بجامعة الأزهر، والمرشح لرئاسة للجمهورية، ما جاء بوثيقة الأزهر التاريخية حول الدولة المدنية، وقال: إن الاسلام (بالفعل) لا يعرف الدولة الدينية الكهنوتية، ولكنه يعرف الدولة الدينية التى تقوم على الإسلام ويسودها العدل ويحصل كل فرد فيها على العدل بصرف النظر عن دينه ونحلته، بل يقيم شعائر دينه بحريه لا تنتقص.. ومازال علماء اليهود يتحدثون عن أفضل فترات حياتهم فى ظل الخلافة العثمانية والدولة الدينية عاشت بالاسلام ثلاثة عشر قرنا من الزمان . وأصدر الفقي بيانا جاء فيه: إن الإسلام لم يعرف الدولة غير الدينية طوال تاريخه المجيد, فالله تعالى يحدد مهمة الأمة الإسلامية في قوله تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ …الآية).وأوضح أن هذا النص يجعل الأمة الإسلامية أمة دينية . وتعجب الفقي من أن يصدر عن الأزهر وثيقة تنفي عن الدولة الإسلامية صفة الدينية في الوقت الذي تحاول فيه "إسرائيل" بكل الوسائل أن تحصل على اعتراف العالم بأنها دولة يهودية (أي دولة دينية), وتطلب ذلك من الفلسطينيين كشرط لعودة التفاوض, لذلك فقد اعتبر تلك الوثيقة بمثابة إعلان لنهاية دور الأزهر في الحياة المصرية. وأشار الفقي إلي أن الدولة الدينية هي أمل المسلمين في كل العصور, فهي دولة تقوم على الإسلام بالنسبة للمسلمين, وعلى عدل الإسلام بالنسبة لغير المسلمين, ومن هنا فالمسلم فيها يتساوى في الحقوق والوجبات مع غيره, من غير المسلمين, ويعيش فيها أصحاب الأديان الأخرى في أمن وسلام، وعاد ليؤكد أن الدين لا ينفصل عن الدولة في الإسلام, وأن تغيير عنوان الدولة المسلمة إلى دولة مدنية كان وما زال أملا يتطلع إليه أعداء الإسلام وقال إن ما يترتب على ذلك هو حلم العالم الغربي واليهود بالسيطرة على العالم العربي الإسلامي, وستكون حجتهم حينذاك هو: أنكم دول لا دينية, وإسرائيل دولة دينية فمن حقها أن تسود وتقود في هذه المنطقة.