تحول "الفوسفين"، أو "فوسفيد الألمنيوم"، من مجرد مبيد حشري، يستخدم في جميع دول العالم، وفي أوروبا، وأمريكا ومصرح به دوليا بنسب معينة، إلى مادة مميتة، وظاهرة تحصد الأرواح في كافة مناطق المملكة، نظرا لطريقة الاستعمال القاتلة من قبل البعض. الأصل في هذا المبيد أنه مستحضر لتبخير المستودعات الكبيرة التي تخزن الحبوب, للتخلص من الحشرات التي قد تصيب الحبوب, شريطة عدم وجود أي كائن بشري عند الاستخدام, ولا يستخدم هذا المستحضر أساساً لمكافحة الحشرات بالمنازل وغيرها، لكن وللأسف وفي ظل غياب الرقابة من قبل الجهات المعنية، تحول المبيد لمادة عادية تباع في البقالات، ومحلات الخردوات، وبسعر زهيد لا يتجاوز 10 ريالات للعبوة العادية. جده حتى الآن ، كان نصيبها من إزهاق الأرواح بسبب "الفوسفين" أكثر من 23 حالة في أنحاء المحافظة، كان آخرها وفاة فتاة من الجنسية الأفغانية (16 عاما)، إلى جانب إصابة 6 أشخاص في حوادث متفرقة جراء استنشاقهم مبيد الفوسفين. ولم يسلم الأجانب أيضا في الممكلة من "الغاز المميت" فقد دخل منذ أيام 4 عمال (بنجاليين) يسكنون في أحد الأجنحة المفروشة بجدة، إلى مستشفى الملك فهد بعد استنشاقهم مبيدا حشريا من نوع (كودويدنيوس) السام، لتعيد إلى الأذهان حادثة مقتل طفلين من عائلة دنمركية عام 2009 كانت تقيم في جدة، بسبب تسممها بمبيد (فوسفيد الألمنيوم) الذي حصد في هذه العام فقط أكثر من 13 طفلا. وفي جنوب وشرق جدة، توجد سوق سوداء لبيع حبوب الفوسفيد "القاتلة", وبعد أن كانت العبوة زنة 500 جرام تباع ب 100 ريال, أصبحت الحبة الواحدة من الفوسفيد تباع ب20 و30 ريال. وفي الرياض أغلقت وزارة التجارة والصناعة أحد المحال بعد ضبط كميات كبيرة من مبيد "فوسفيد الألمنيوم" بداخله. وعلميا يعرف الفوسفين بأنه مركب كيميائي صيغته PH3، وهو غاز قابل للاشتعال عديم اللون، ويعتبر من الغازات السامة، وله أكثر من اسم تجاري بحسب بلد المنشأ ومنها: "سيلفوس، يونايتد فوسفورس، فوستوكين، فيوميفوس"، ويكون النوع النقي منه عديم الرائحة، في حين العينات التقنية منه تكون ذات رائحة كريهة جدا مثل الثوم أو السمك المتعفن، ويرجع ذلك إلى وجود الفوسفين مع الديفوسفين (P2H4). وبعد نشر فيلم وثائقي قصير على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، شاركت فيه عائلة راحت ضحيتها طفلتان لأسرة سعودية قبل نحو عامين لاختناقهما بالغاز السام، دعا وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة، في تغريدة له على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي إلى الإبلاغ عن أي من يقوم ببيع مادة "الفوسفين"، واضعاً رقم هاتف مخصص للبلاغات وهو "8001241616". من جانبها نفذت وزارة التجارة والصناعة جولات رقابية ميدانية على عدد من المحال التجارية التي تبيع المبيدات الحشرية في مختلف مناطق المملكة؛ وذلك بغرض التأكد من عدم وجود مبيد "فوسفيد الألمنيوم" القاتل، حيث ألزمت المحال بتوقيع تعهدات خطية بعدم بيعه. بينما حددت وزارة الزراعة وهي الجهة الوحيدة المنوط بها منح تراخيص دخول مادة "فوسفيد الألمونيوم" إلى السعودية، مؤخرا 22 نوعا يطبق عليها قرار الحظر الساري المفعول، ومنها مبيد فوسفيد الألمنيوم، بعدما استخدمه البعض في الرش المنزلي، وقامت الوزارة بتغريم 4 شركات مستوردة للمبيد بمبلغ 240 ألف ريال، مع شطب تسجيل المبيد لهم نهائيا. وشددت الزراعة على أنه في حالة بيع المبيد بالطرق العادية فإنه يلغى تسجيل المبيد مباشرة وتحال المخالفة للجنة العقوبات في الوزارة لاتخاذ العقوبات اللازمة. وأوضحت الوزارة في بيان لها أنه "لا يسمح بعرض المبيد أو بيعه لأي شخص، ويتم استخدامه من قبل الشركة أو المؤسسة المستوردة له في الأماكن المسموح باستخدامه فيها مثل المخازن والمستودعات، ومن قبل فريق فني مختص، وتتحمل الشركة جميع ما يترتب على الاستخدام الخاطئ للمبيد أمام السلطات المختصة، وفي حالة طلب إذن استيراد للمبيد يتم تزويد إدارة الخدمات الزراعية بالوزارة بما يثبت استنفاد الكميات المستوردة سابقا. خبراء أمنيون أكدوا في تصريحات إعلامية على خطورة المبيد، التي تكمن في سرعة انتشاره دون وعي أو إحساس بمن حوله حتى يتشبع الجو بغاز الفوسفين، ومن ثم استنشاقه، وعندها تحدث الإصابة والوفاة، كون هذا الغاز عديم الرائحة في الأصل، وإن كانت بعض الشركات المصنعة قد أضافت له مؤخرا روائح صناعية كريهة للتنبيه على مدى خطورته. وكشفت وكالة حماية البيئة الأمريكية عن أن قوانين حماية البيئة في أمريكا ودول العالم الموقِّعة على حماية البيئة، ومن بينها المملكة العربية السعودية، تعاقب كل من يخالف باستخدام المبيدات التي تحتوي على مادة فوسفيد الألمنيوم، لشدة خطورتها على البيئة وصحة البشر، حيث تؤدِّي غالبا إلى الوفاة. وأشارت الوكالة الأمريكية إلى حالات الوفاة التي حدثت في السعودية في الفترة الماضية، مبيِّنة هروب عدد وافر في أمريكا من العدالة، بسبب سوء استخدامهم للمبيدات الزراعية، خصوصا تلك التي تحتوي على فوسفيد الألمنيوم. وأفاد ميلبورن كيتي من قسم جودة الهواء في الوكالة بأن عقوبات قاسية يُلزم بها أشخاص أو شركات ترش فوسفيد الألمنيوم في المنازل بسبب رخص سعرها؛ لقتل القوارض والحشرات، وتعتبرهم مجرمين، مبيِّنا أن الوكالة أعلنت أخيرا للجمهور والمهتمين بالبيئة والمزارعين في أمريكا إجراء حلقات نقاش حول المادة، "لأنها من المواد المتبخرة التي تنتقل بسرعة كبيرة عن طريق الهواء من مكان إلى آخر، وتتسبّب في أمراض خطرة أو الوفاة، خاصة صغار السن، الذين لا يمكنهم تحمُّل شدة سميتها".