باسم الله. أعلم أيها الموظف أنك بدأت بقراءة هذه المقالة متضجراً غاضباً، بسبب عنوانها، ولكن على رِسْلك، لأنني أسطّر حروف هذه المقالة تنبيهاً لك وتحذيراً من مغبّة الندم، حين يأتي في وقت لا ينفع فيه الندم، وخذ هذه القصة عبرة وعظة. قام موظف حكومي عام 1426ه خارج مقر عمله بترويج ثلاث حبات ونصف من الأمفيتامين المنبهة المحظورة، واستعمل جزء سيجارة من الحشيش، وتم صدور حكم عليه من المحكمة المختصة في القضاء العام بسجنه مائة وخمسين يوماً وجلده سبعين سوطاً على دفعتين، ومصادرة سيارته وجواله وشريحته. ولم تتوقف القصة عند هذا الحد، فما إن انفرجت أسارير الموظف فرحاً بالخروج من السجن وانتهاء الجلد، إلا وكانت هيئة الرقابة والتحقيق له بالمرصاد، فقامت الهيئة بالتحقيق مع هذا الموظف ثم رفعت دعوى ضده أمام ديوان المظالم تطلب فيها فصل هذا الموظف الحكومي!! نعم فصله من عمله مستندة إلى المادة (32 / أولاً) من نظام تأديب الموظفين والمادة (12 / ب) من لائحة انتهاء الخدمة المدنية الصادرة بقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 1 / 813 وتاريخ 20 / 8 / 1423ه، وقالت في أدلتها التي ساقتها للقاضي ناظر القضية في ديوان المظالم ما يأتي: 1 – صدور قرار شرعي بعقوبته على الترويج واستعمال الحشيش 2 – خروجه عن مقتضى الواجب الوظيفي المنصوص عليه في المادة (11 / أ) من نظام الخدمة المدنية التي أوجبت على كل موظف أن يترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة، سواء كان ذلك في محل العمل أو خارجه، وباعتباره مسؤولاً عما يصدر عنه وفقاً للمادة (15) من النظام ذاته. وحين مَثُلَ المدعى عليه (الموظف) أمام القاضي وبمواجهته بما نُسب إليه بقرار الاتهام، أجاب قائلاً: بأن هذا الاتهام غير صحيح، وإنما الصحيح أنه بتاريخ 17 / 8 / 1426ه عند ذهابه إلى منزله فوجئ بسيارة مدنية اعترضته، ونزل منها رجل مسلح، وأشهر سلاحه وأطلق عليه النار، فرعب ولاذ بالفرار، فارتطم بكومة تراب فأُصيب في وجهه ونزف دماً وفقد وعيه، فقاموا بتفتيشه شخصياً، ولم يجدوا بحوزته شيئاً، أما السيارة فقاموا بسحبها للإدارة، وذكروا له أثناء التحقيق أنهم وجدوا بها ست عشرة حبة من الأمفيتامين وعقب سيجارة حشيش، وطلب منهم نقله للمستشفى لتردي حالته الصحية، فأجبروه على التوقيع على محاضرهم كي ينقلوه إلى المستشفى؛ ومن ثم أحيل للمحكمة الشرعية وصدر بحقه القرار الشرعي رقم… وتاريخ… المتضمن ما نسب إليه من ترويج واستعمال، وذكر أنه اعترض على الحكم ثم عاد وأبدى قناعته به. وحينها كانت هيئة الرقابة والتحقيق أرفقت بياناً سلمته للقاضي، مكتوباً فيه أنه سبق أن تم الحسم من راتب هذا الموظف مرتين عقوبة له بأحكام قضائية، وأجاب عنها هذا الموظف بتقديم تقرير طبي يبيّن حالته الصحية. هنا أوقف القاضي الترافع، وبدأ بالدراسة والتأمل في القضية ومجرياتها، ثم خلص نهاية إلى: فصل هذا الموظف الحكومي من عمله؛ لأنه خالف شرطاً وظيفياً منصوصاً عليه في المادة رقم 4/د من نظام الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/49 وتاريخ 10/7/1397ه، وهذا الشرط هو: حسن السيرة والسلوك، كما استند القاضي في حكمه إلى مخالفة الموظف لواجب وظيفي منصوص عليه في المادة رقم 11 / أ من ذات النظام، ومضمون هذا الواجب هو: (يجب على الموظف أن يترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة سواء كان ذلك محل العمل أو خارجه). هل علمت بعد هذه القضية مدى خطورة الإخلال بالواجبات الوظيفية المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية؟ وهل علمت كيف يمكن فصلك من وظيفتك؟ فاحذر حذر العاقل من وصول الدور عليك، وكن متقيّداً بواجباتك الوظيفية؛ لئلا يعتبر بك غيرك. ومن حقك علي هنا: أن أذكر لك أهم المواد النظامية التي يجب أن تطلع عليها وتتقيد بها، لتتجاوز الخطر وتنعم بالأمان. ونبدأ بالمادة الرابعة من نظام الخدمة المدنية التي تقول: (مع مراعاة ما تقضي به الأنظمة الأخرى يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف أن يكون: أ – سعودي الجنسية، ويجوز استثناءً من ذلك استخدام غير السعودي بصفة مؤقتة في الوظائف التي تتطلب كفاءات غير متوفرة في السعوديين؛ بموجب قواعد يضعها مجلس الخدمة المدنية. ج – لائقاً صحياً للخدمة د – حسن السيرة والأخلاق. ه – حائزاً على المؤهلات المطلوبة للوظيفة، ويجوز لمجلس الخدمة المدنية الإعفاء من هذا الشرط. و – غير محكوم عليه بحد شرعي أو بالسجن في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة حتى يمضي على انتهاء الحد أو السجن ثلاث سنوات على الأقل. ز – غير مفصول من خدمة الدولة لأسباب تأديبية ما لم يكن قد مضى على صدور قرار الفصل ثلاث سنوات على الأقل. والمادة الحادية عشرة من نظام الخدمة المدنية تقول: (يجب على الموظف خاصة: أ – أن يترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة سواء كان ذلك في محل العمل أو خارجه0 ب – أن يراعي آداب اللياقة في تصرفاته مع الجمهور ورؤسائه وزملائه ومرؤسيه. ج – أن يخصص وقت العمل لأداء واجبات وظيفته، وأن ينفذ الأوامر الصادرة إليه بدقة. وأمانة في حدود النظم والتعليمات. والمادة الثانية عشرة من نظام الخدمة المدنية تقول: (يحظر على الموظف خاصة: أ – إساءة استعمال السلطة الوظيفية. ب – استغلال النفوذ. ج – قبول الرشوة أو طلبها بأي صورة من الصور المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة. د – قبول الهدايا، أو الإكراميات، أو خلافه بالذات، أو بالوساطة لقصد الإغراء من أرباب المصالح. ه – إفشاء الأسرار التي يطلع عليها بحكم وظيفته ولو بعد تركه الخدمة. والمادة الثالثة عشرة من نظام الخدمة المدنية تقول: (يجب على الموظف أن يمتنع عن: أ – الاشتغال بالتجارة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ب – الاشتراك في تأسيس الشركات، أو قبول عضوية مجالس إدارتها، أو أي عمل فيها، أو في محل تجاري، إلا إذا كان معيناً من الحكومة، ويجوز بمقتضى لائحة يصدرها مجلس الوزراء الإذن للموظفين بالعمل في القطاع الخاص في غير أوقات الدوام الرسمي. والمادة الرابعة عشرة من نظام الخدمة المدنية تقول: (لا يجوز للموظف الجمع بين وظيفته وممارسة مهنة أخرى، ويجوز الترخيص في الاشتغال بالمهن الحرة لمن تقتضي المصلحة العامة بالترخيص لهم في ذلك لحاجة البلاد إلى مهنهم، ويكون منح هذا الترخيص من قبل الوزير المختص، وتحدد اللائحة شروط هذا الترخيص). والمادة الخامسة عشرة من نظام الخدمة المدنية تقول: (كل موظف مسؤول عما يصدر عنه ومسؤول عن حسن سير العمل في حدود اختصاصه). وأختم حديثي بالقول: لنتقيد بواجباتنا الوظيفة، ولنحذر الحذر كله من الإخلال بها. وصلوا على النبي المختار د. تركي بن عبدالله الطيار محامٍ وقاضٍ سابق [email protected] – tayyar.com.sa