شكا لي أحد المرضى المصابين بالضغط أنه عندما كان متوقفا بسيارته الجديدة التي دفع فيها "تحويشة سنين من عمره" عند الإشارة أتت سيارة قديمة من الخلف وصدمته، فاستشاط غضبا ونزل يصرخ بأعلى صوته في وجه السائق الآخر، ولكنه أثناء ذلك أحس بضيق في التنفس ولم يستطع أن يكمل "الهواش" مع الطرف الآخر وأحس بدوخة اضطر معها أن يجلس على الرصيف، وساعده أحد المارة بشربة ماء وانتظر حتى هدأت أعصابه.. يقول: "اضطررت أن أغادر بسيارتي موقع الحادث لأنني لو جلست انتظر تقرير المرور ومقابلة ذلك الشخص يمكن تجيني جلطة"!!… بعد ذلك أتى مريضا إلى العيادة يسألني: "ما هو سبب انقطاع نفسي أثناء ذلك الموقف"؟؟ لم ينه الله ورسوله عن شيء "وهو في هذه الحالة الغضب" إلا لأن فيه ضرر، كما لم يأمرنا بشيء إلا وفيه نفع، علمه من علمه وجهله من جهله. فقد أثبتت الدراسات العلمية أن هناك تغيرات فسيولوجية تطرأ على الجسم أثناء الغضب منها زيادة نبضات القلب +25%، زيادة ضغط الدم الانقباضي+30%, زيادة ضغط الدم الانبساطي +10%، زيادة كمية الدم التي يضخها القلب +40%، انقباض شرايين القلب عند من هو عرضه لذلك، زيادة تكلس الشرايين وضيقها بنسبة ثلاثة أضعاف مقارنة بمن لا يغضب بسهولة وفي من لديهم تضيق في الشرايين التاجية ابتداء، كما أن الغضب يسبب قصورا واضحا في عضلة القلب بسبب نقص التروية وزيادة الحاجة للأكسجين. فلذلك أكثر عضو يتأثر من الغضب في جسم الإنسان هو "القلب". وقد أوضحت دراسة "انترهارت" أن الغضب هو أحد العوامل الرئيسية المسببة لأمراض شرايين القلب، فهي بالترتيب من الأقوى إلى الأضعف تأثيرا كالتالي: الكلسترول ثم التدخين ثم الضغوط النفسية الاجتماعية ومن ضمنها الغضب المتكرر ثم مرض السكري ثم مرض الضغط المزمن ثم التاريخ العائلي بالإصابة بأمراض الشرايين المبكر. وكما يتضح من هذه الدراسة أن كثرة الغضب والانفعال النفسي أقوى من السكري في الإصابة بانسداد شرايين القلب. وزيادة على ما يسببه الغضب من ارتفاع شديد في الضغط فإن الصراخ ورفع الصوت بشدة في وجه الآخر يرفعه أكثر بكثير فقد يتعدى إلى 250 ملم من الزئبق في الضغط الانقباضي لأن توليد صوت عالي بشدة عالية يحتاج إلى توليد ضغط عالي داخل جهاز التنفس فتنقبض عضلات التنفس الأساسية والمساعدة بأشد ما لديها!! فما بالك إذا كان ذلك المريض غير متحكم بضغطه أصلا!! وصدق الله سبحانه عندما قال في محكم تنزيله: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). وقد قال سيد المرسلين "لا تغضب" لما للغضب من مضاعفات على الضغط وتروية عضلة القلب كما بينا أعلاه. والغضب كعاطفة وتغيرات مؤقتة في أعضاء الجسم ضرورة لحماية النفس من العدوان في العالم الخارجي المحيط بالإنسان، فمن لا يغضب ليس بإنسان طبيعي، وقد كان صلى الله عليه وسلم "يغضب" ولكن إذا انتهكت حرمات الله كما في قصة شفاعة أسامة بن زيد للمخزومية. ولكن لتفادي الغضب المذموم يجب توجيه هذه العاطفة بالطرق الإيجابية في حل ما يشكل بين الناس… و"الغضب المذموم" من أخطر أنواع الانفعالات العاطفية لأنه يعمي ويصمّ فمن يغضب قد يصل إلى درجه يفقد فيها المسؤولية القانونية كالمجنون وهذا مشروح بالتفصيل في الشرع الإسلامي في قضايا الطلاق والقتل والردّة وغيرها، فقد يقول الشخص ما يخرجه من الدين!! وقد يدمّر الإنسان أعز ما لديه!! وقد يتعارك مع أقرب الناس إليه!! وانظر إلى وصف الله البديع لكليمه موسى عليه السلام وهو بشر يجري عليه ما يجري على غيره (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) فلم يؤاخذه الله سبحانه برمي الألواح وهي تحمل كلمات ربه ولا بجرّ رأس هارون وهو نبي مثله، على الرغم من أن الله سبحانه مهّد لموسى الخبر قبل رؤية قومه (قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) ولكن موسى عليه السلام لم يستطع تحمل ذلك المنظر لأن الخبر ليس كالعيان. وقد يقول قائل: ولكن التنفيس برفع الصوت والغضب والتعبير عما في داخل النفس يريح "القلب" ولكن الذي يكتم دائما هو الذي يتعرض للجلطات!! والصحيح أن الغضب انفعال نفسي مضر لأنه يؤذي الشخص ومن حوله ولا يحل المشكلة التي سببت الغضب، ولكن الانفعال الموزون وحل المشكلة بطريقة إيجابية هي أفضل طريقة لتفادي الآثار النفسية طويلة المدى على صحة الإنسان.