قد تبدو محاولة اغتيال الداعية الشيخ عائض القرني مجرد محاولة بائسة من بعض الشخصيات التي تقف من الشيخ موقفاً مناوئاً معارضاً لبعض آرائه وتوجهاته، هذه هي القراءة الأولية للحدث، ولكن ثم قراءة أخرى أكثر عمقاً، تتعدى حدود المواقف الشخصية من بعض العلماء. لنبدأ القصة من أولها.. بالتتبع سنجد أن حملات التنصير تقوم على قدم وساق في الدول الآسيوية والأفريقية؛ بهدف جعل أفريقيا بحيرة مسيحية، ووقف أي تقدم ناحية أسلمة المجتمعات الوثنية والمسيحية في أفريقيا، وتتخذ في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف وسائل متعددة، ليست كلها بطبيعة الحال وسائل سلمية أو نظيفة. وهذا الجهد التنصيري ليس جهداً فردياً أو مجرد جهد منظمات، بل هو مجهود دولي تُنفق عليه المليارات من الدولارات، وتقوم عليه دول عدة، معنية بوقف التمدد الإسلامي خارج حدوده الحالية، وحصاره داخل جغرافيته؛ تمهيداً لغزو هذه الدول في مرحلة لاحقة. ثم يأتي من بعد الجهد التنصيري، جهود التشيع، العقدي والسياسي، التي تقف من ورائها إيران، فهي الأخرى، تقوم بمجهود فوق العادة، وتسابق الزمن لمد أذرعها التشيعية إلى خارج حدودها، لا سيما في المناطق البكر البعيدة عن التأثيرات السنية، خاصة في دول أفريقيا. وكما سبق القول، فإن إيران ومنظمات في حجم الدول، مثل حزب الله الرافضي اللبناني، تقوم بهذه المجهودات، وتسخر كثيراً من الإمكانات خدمة لهذا الغرض، وأحياناً تتخذ من الرافعة الصوفية قنطرة عبور لهذه الدول الأفريقية، وتحت شعارات براقة مثل محبة آل البيت. وكل التقارير الميدانية التي تتحدث عن وضع التشيع في بعض دول أفريقيا وآسيا تشير إلى تقدم متتالٍ ومجاهرة منهم بمعتقداتهم وإنشاء حسينيات، ونجاح نسبي في تحقيق مبتغاهم بنشر التشيع في نفوس تحمل هوية سُنية مالكية. وإذا ما عدنا إلى جهود أهل السنة، فهي للأسف، لا تبدو إلا مجهودات فردية، تقوم بها هيئات ومنظمات قليلة الإمكانات إذا ما قورنت بالجهود التي تبذلها الدول التي ترعى التنصير أو التشيع، أو تقوم بها شخصيات دعوية بمجهود ذاتي. ومن هنا؛ فإن غزوة الشيخ عائض القرني للفلبين، والحضور اللافت لها، قد يزعج تلك المجهودات التنصيرية والتشيعية، كما أنه قد يشكل مساراً يتبعه علماء السنة، فيلتفت الناشطون منهم مجدداً إلى أهمية الغزو العلمي والفكري والسُّني لهذه الدول، والتبشير بصحيح العقيدة الإسلامية. وهذه الحيثيات جميعها تدعونا إلى القول بأن الدول التي تقوم بهذه المجهودات وما وراءها من منظمات تقف وراء محاولة الاغتيال الآثمة للشيخ القرني، وهي لا تعدو أن تكون محاولة لترهيب بقية الدعاة، والرسالة عنوانها: أيها الدعاة، الزموا أماكنكم، ولا تبرحوا دياركم فالموت ينتظركم.