الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: قالت محدثتي: هاتفتني زوجة لرجل ميسور الحال، تشكو من سوء خُلقه وبذاءة لسانه، وشدة بخله وتقتيره عليها وعلى أولادها، فأشرتُ عليها بالصبر على سوء خلقه من أجل الأبناء، واحتساب الأجر والثواب من الله، وأجريتُ لها مرتباً شهرياً-بعد أن تثبّتُ من صدق ما قالت-. ومرت الأيام والشهور.. هاتفتني تطلب المشورة والنصح في فراق هذا الزوج أو البقاء معه؟، فأشرتُ عليها بالبقاء في عصمته؛ فوجوده كزوج يُبقي للبيت هيبة عند الأولاد والجيران والأباعد والأقارب، فأخذت بنصيحتي ومشورتي. ومرت الأعوام… كبُر الأولاد وتخرجوا من الجامعات، والتحقوا بوظائف حكومية، ولما تتحلى به من دين وأمانة ونزاهة وعِفة وصدق، طلبت مني إيقاف المرتب الشهري، فقد أغناها الله سبحانه بهم، بل أنها أرجعت جزء من الصدقة المتبقية وقالت: "إنها لم تعُد تحِلُّ لي"، وشَكَرتني على نصيحتي الثمينة-على حسب قولها-التي نسيتُها، ولم تنسها؛ ألا وهي: أن تبقى في عصمة زوجها، ولا تطلب الفراق، فوجوده كزوج يُبقي للبيت هيبة. وفعلاً كانت هيبة الأب وقوة شخصيته لها أثرها الكبير بعد فضل الله في استقامتهم وصلاحهم؛ فلا يغادرون البيت إلا إلى المدرسة أو المسجد أو لزيارة قريب أو لِما هو من ضروريات الحياة؛ فلا سهر مع رفقاء سوء، ولا شُرب دخان أو شيشة ولا… أخي القارئ: كم كان لتلك الكلمات الصادقة المخلصة من أثر على صلاح الأسرة، ولمِّ شمل الأبناء، وعدم تقويض أركان البيت. المؤمن الصادق الناصح: كلماته مؤثرة، تنبع من قلب مُحبٌّ مُشفق رحيم، يبتغي الخير لإخوانه، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة أخيه). قال تعالى عن مؤمن آل ياسين أنه لما قيل له: (ادخل الجنة) (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) قال قتادة: (لا تجد المؤمن غاشًّا، لا تجده إلا ناصحاً، لما عاين من كرامة الله (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله. أخي القارئ: قد يُلقي عليك أخٌ أو زميل لك بضائقة عصفت به، يتلمس عندك نصحاً وإرشاداً، فاحذر أن تأخذك العاطفة فتميل إلى جانبه وهو مخطئ، أو تشير عليه بأمر يمليه عليك هواك وليس من مصلحته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (المستشار مؤتمن) قال ابن عباس: "لا يزال الرجل يزداد في صحة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشَّه سلبه الله نصحه ورأيه". أيها القارئ الكريم: قد تتساءل: وهل هناك قاعدة أسيرُ عليها إذا طُلب مني مشورة أو نصح؟ نعم: هناك هذه القاعدة الذهبية: [إذا أردتَ أن تنصح فانظر إلى ما يقربك إلى الله] عندئذ تغنم وتؤجر على رأيك الرشيد، وحكمتك السديدة. جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر، إنّه مجيب قريب.