منذ عدة سنوات بدأت تظهر على الساحة مطالبات بحقوق المرأة، ثم اختزلت هذه القضايا في المطالبة بالقيادة للسيارة وحق المرأة في التنقل حيث شاءت. وتعتبر قيادة المرأة للسيارة بوابة المطالبات الأخرى التي تدعو إليها اتفاقية السيداو ومن أهم بنود الاتفاقية: أنها تدعو إلى سن تشريعات وطنية تحرم التمييز، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة.كما تدرك الاتفاقية أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة. وأيضا تدعو الاتفاقية إلى رفع وصاية الرجل عن المرأة وإلغاء القوامة ، وتطالب بأحقية تنقل المرأة وسكنها حيث شاءت وسفرها بدون محرم أو ولي. كل هذه المطالبات ستأتي بعد القيادة حين يتسنى للمرأة حرية القيادة وحرية السكن والسفر بدون إذن ولي أمرها. فحينها ينفلت عقال الأسرة وينفرط العقد نسأل الله السلامة. وغالب أهل الشهوات والأهواء يتحايلون على الشرع للاستدلال على باطلهم، ومن ذلك استدلالهم بجواز قيادة المرأة السيارة، بركوب الصحابيات للدواب وحرمة الخلوة بالسائق. ومن يستدل بجواز قيادة المرأة للسيارة بسبب عدم ارتكابها للخلوة مع السائق، يمارس الانتقائية في اختيار الأدلة التي توافق هواه، وهو كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه، فالفقهاء الذين حرموا قيادة المرأة للسيارة هم من حرم خلوتها بالسائق وهم من أمروها بالحجاب وحرموا اختلاطها بالرجال ، فلم نأخذ ببعض الفتاوى ونضرب ببعضها عرض الحائط. أما الاستدلال بركوب الصحابيات للدواب فهو قياس مع الفارق ويدل على عدم منهجية قائله وضعف ملكته الفقهية وتخبط قواعده إن كان له منهج أو قواعد يسير عليها. فالصحابيات من أعظم المؤمنات امتثالا لأمر الله وأتقاهن لله وأشدهن خشية وإنابة. وقد كانت الصحابيات يركبن الهوادج ثم يُقدن وهن بداخلها في حفظ وصون وعفاف، حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الأفك، حمل الرجال هودجها وتقول في ذلك: "فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَمَا نَزَلَ الحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ،" ثم قالت: "وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ" أي أنها كانت محمولة مكفولة، وما كان الذين يحملونها يطلعون على الهودج وما بداخله، قال ابن حجر: "كَانَتْ مُسْتَتِرَةً فِي الْهَوْدَجِ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى تَحْمِيلِهِ وَهِيَ لَيْسَتْ فِيهِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ فَلَعَلَّ النِّسَاءَ حِينَئِذٍ كُنَّ يَرْكَبْنَ ظُهُورَ الرَّوَاحِلِ بِغَيْرِ هَوَادِجَ أَوْ يَرْكَبْنَ الْهَوَادِجَ غَيْرَ مُسْتَتِرَاتٍ فَمَا كَانَ يَقَعُ لَهَا الَّذِي يَقَعُ بَلْ كَانَ يَعْرِفُ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ بَعِيرَهَا إِنْ كَانَتْ رَكِبَتْ أَمْ لَا". ثم قال: "وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُرْحِلُونَ بَعِيرَهَا كَانُوا فِي غَايَةِ الْأَدَبِ مَعَهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَرْكِ التَّنْقِيبِ عَمَّا فِي الْهَوْدَجِ بِحَيْثُ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهَا فِيهِ وَكَأَنَّهُمْ جَوَّزُوا أَنَّهَا نَائِمَةٌ". ولم ينقل عن الصحابيات أنهن قدن البعير أو الدابة بأنفسهن بل كان هناك من يقودها ويسير بها ومن لديه خلاف ذلك فليثبت . قال ابن بطال في شرحه لحديث الإفك: "وفيه: خدمة الرجال لما يركبنه النساء من الدواب، واحتمالهن فى الهوادج " وجاء في طرح التثريب: "فَائِدَة رُكُوب النِّسَاءِ فِي الْهَوَادِجِ وَخِدْمَة الرِّجَالِ لَهُنّ". ومما لا شك فيه أن المرأة تعاني من صعوبة التنقل وتكره الخلوة بالسائق، وتعاني من انشغال محارمها عنها ، وتحتاج للخروج في قضاء حوائجها، ولكن الحلول لا يمكن أن تكون هي أسباباً لمشاكل أخرى ، بل لابد أن تكون الحلول مدروسة وواقعية وآمنة وعملية. فالمرأة التي تعاني من الخلوة بالسائق ستختلي بالشرطي وصاحب الورشة ، وستختلط بعمال محطة البنزين وبائعي قطع غيار السيارات ، ومدربي القيادة وسلسة لن تنتهي، وستعاني من الأمور المالية في صيانة السيارة وزينتها وكل ما يتعلق بها. وستتحمل أدواراً ومسئوليات هي في غنى عنها ، ستكون الأم والأب والسائق في نفس الوقت.