سعى أحد برامج "التوك شو" التي يذيعها التليفزيون الرسمي المصري إلى تحريف تصريحات لأحد أبرز الدعاة، أكد فيها أن تأييد المصريين للتعديلات الدستورية بهذه الأغلبية الكاسحة يعني أن الناس قالت "نعم للدين". فقد أذاع برنامج "مصر النهاردة" الذي يقدمها خيري رمضان إلى إذاعة مقطع مصور للشيخ محمد حسين يعقوب كان يعلق فيه على تأييد المصريين وتصويتهم ب "نعم" في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرى يوم السبت الماضي. ويبدو أن تعليق الشيخ يعقوب جاء قبل ظهور النتيجة الرسمية للاستفتاء، حيث افتتح تعليقه بقوله: "بلغتني أخبار سارة ب (نعم)"، مشيرًا إلى أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان "غزوة" أطلق عليها "غزوة الصناديق". وقال يعقوب في مقطع فيديو نشره موقعه الرسمي من كلمة ألقاها في مسجد «الهدى» بإمبابة، مساء الأحد: «كان السلف يقولون بيننا وبينكم الجنائز، واليوم يقولون لنا بيننا وبينكم الصناديق، وقالت الصناديق للدين (نعم)»، داعياً الحضور إلى ترديد تكبيرات العيد احتفالاً بموافقة 77% من الناخبين على التعديلات. وأضاف الشيخ يعقوب: «كانوا يقولون هل الدين سيدخل في كل حاجة؟.. ونحن نقول: "نعم"، مش دي الديمقراطية بتاعتكم، الشعب قال نعم للدين، واللي يقول البلد ما نعرفش نعيش فيه أنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا»، مضيفاً: «مش زعلانين من اللي قالوا "لأ"، بس عرفوا قدرهم ومقامهم وعرفوا قدر الدين». واعتبر الداعية السلفي أن «القضية ليست قضية دستور»، موضحاً «انقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط دين فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا نعم، الإخوان والتبليغ والجمعية الشرعية وأنصار السنة والسلفيين، وقصادهم من الناحية التانية (ناس تانية)»، وقال: «شكلك وحش لو ما كنتش في الناحية اللي فيها المشايخ». وتمايز المجتمع المصري إزاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى فريقيْن: أولهما مؤيد للتعديلات الدستورية وعلى رأس هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية والتيار الإسلامي بشكل عام مع زمرة واسعة من رجال الفكر الذين يحظون باحترام واسع لدى الشعب المصري. والفريق الآخر الرافض للتعديلات الدستورية جاء على رأسه التيارات العلمانية واليسارية والأحزاب "الكارتونية"-كما توصف- إلى جانب الكنيسة القبطية التي جندت روادها ووسائل إعلام يملكها رجال أعمال أقباط للترويج لرفض التعديلات. وغالب هؤلاء ممن يسعى وراء مصالح فردية، فيما يرى أغلب المراقبين أن الفريق الأول غلَّب مصلحة عودة الاستقرار والأمن إلى المجتمع؛ الأمر الذي جعل غالبية الشعب المصري ينحاز إلى تأييد التعديلات الدستورية. وأكد يعقوب أنه لا يطمح للقيام بدور سياسي قائلاً: «إحنا مش سياسيين ولا عايزين منها حاجة، ووعد أقطعه أمام الله لن أنضم لحزب ولا أترشح لأي حاجة في الدنيا»، واختتم كلمته مخاطبًا مستمعيه وممازحًا لهم: «ما تخافوش خلاص البلد بلدنا». استعداء وتخويف من التيارات الإسلامية: وفي اتصال هاتفي مع برنامج مصر النهاردة، وصف عمرو الشوبكي الذي يوصف بأنه "الخبير في شئون الجماعات الإسلامية" تعليق الشيخ يعقوب على نتيجة الاستفتاء بأنها "مقلقة بالتأكيد"، معتبرًا "أننا أمام موضوع بالكامل ليس له علاقة بالدين". وتابع يقول: "ومنبع القلق أنه ربما تكون هناك قضايا أخرى في المستقبل ربما تخص قضايا العلاقة بدول كبرى موضوع السياحة البنوك قضية المواطنة كل هذه القضايا إذا طرحت ودخل فيها الدين بهذه الطريقة ربما يكون الوضع أسوأ بكثير؛ لأنه في هذه المرة حدث هذا التدخل وهذه الطريقة في الكلام ونحن أمام تعديل لمواد دستورية لم يكن للدين ولا للمادة الثانية ولا لأي قضية تتعلق بقضايا خلاف له طابع ديني أو ثقافي مطروحة بالمرة . ورغم ذلك صور الأمر على أن هناك "نعم" للدين، وبالتالي ستكون نعم ضد الدين"، على حد قوله. واعتبر أننا "أمام مشهد خطير ومقلق في كل الأحوال ويغيب عنه أبجديات التعامل مع قضية الدستور التي هي بحكم طبيعتها قضية توافقية وقضية تراضٍ .. حين نتحدث عن الدستور يجب أن يشعر … كل مواطن مصري أن هذه الدستور يعبر عنه ويصون حقوقه الأساسية وأنه نقطة التوافق والتراضي بين عموم المصريين". وخلص إلى أن دخول الدين بهذه الطريقة على ما وصفه ب "عملية توافقية" هو منبع القلق. وقال: "يبدو الأمر صادما ومقلقًا أن نتعامل مع قضية من هذا النوع بهذه الطريقة وأن ننظر لمن قالوا "نعم" على أنهم قالوا نعم للدين، ورأى أن "من حق الكثيرين أن يقلقوا في المستقبل". وسعى الشوبكي إلى تقزيم دور المسجد وعدم إدخاله في الحياة السياسية وقصر دوره على أن يكون دورًا أخلاقيًا أو تراحميًّا، مشددًا على "ضرورة أن تكون هناك قواعد منظمة للعملية السياسية بحيث يقال الكلام السياسي داخل مقرات الأحزاب ويقال منزوع عنه أي قداسة دينية .. كل هذا يكاد يكون من البديهيات لأن دور المسجد من الوارد أن يكون دورًا أخلاقيًّا أو تراحميًّا .. لكن أن يتم التشكك في إيمان الناس الديني لمجرد أنها صوتت ب "لا" في قضايا لا علاقة لها بالدين …" على حد قوله وتابع يقول: "لابد طوال طوال الفترة القادمة وخاصة ونحن مقبلون على انتخابات مجلس الشعب التي سيكون فيها منافسة حقيقية ومنافسة بين أناس محسوبين على التيار الإسلامي وآخرين هل في الحالة هذه سنعتبر أن الآخرين المرشحين ضد التيار الإسلامي أنهم كافرون أو كفار أو أنهم غير مؤمنين .. لا بد أنه نفكر جديا كيف يتم التعامل مع هذه المسألة؟". واشترط عمرو الشوبكي أن "يُقبل التيار الإسلامي كتيار يلتزم بالديمقراطية وقواعد الدولة المدنية ولكن بشرط ألا يستأصل أحدًا وألا يطرح أفكارًا من شأنها التشكيك في إيمان الناس لمجرد أنهم اتخذوا موقفا سياسيًّا مخالفًا لتوجهاتهم". وردًا على سؤال من مقدم البرنامج خيري رمضان حول ما إذا كانت هناك حاجة تستدعي أن تكون هناك ضوابط قانونية لعدم استغلال المساجد في الدعوة لعمل سياسي؟، قال الشوبكي: "في العمل الانتخابية كما نقول إنه لابد أن يكون هناك قواعد للصرف المالي والأموال التي تنفق على الانتخابات لا بد أن تكون هناك قواعد أخرى تنظم أن تكون دور العبادة بعيدًا عن الدعاية السياسية. أيضا لا يجب أن نرى لافتات من قبيل ما رأيناه قبل عدة أيام (التصويت ب نعم واجب شرعي) فبالتالي ممكن نرى في الانتخابات التشريعية لافتة تقول: (التصويت للتيار الفلاني واجب شرعي).. وغيرها من الأشياء التي من الممكن أن توظف الدين من أجل استئصال ناس وإضفاء القدسية على ناس آخرين". وختم الشوبكي حديثه بالتشديد على أنه "لا بد من وضع قواعد صارمة تنظم العملية الانتخابية منذ بدئها وحتى نهايتها حتى نشعر جميعا بالقلق على التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر" كما قال. ويبدو أن هذه الفقرة من البرنامج وظفت بشكل جيد لاستعداء السلطات وعوام الناس في المجتمع المصري ضد التيار الإسلامي الذي أثبت وجوده بقوة عبر صناديق الاقتراع في الاستفتاء على التعديلات الدستورية. وقبيل سقوط نظام مبارك، دشنت وسائل الإعلام الرسمية مرئية ومقروءة حملات إساءة وتشويه ضد التيار السلفي خصوصًا في مصر، ومن بين هذه البرامج التي شاركت في هذه الحملات برنامج "مصر النهاردة" نفسه الذي أخذ يتلقف مقاطع مبتسرة بشكل سيء لمشايخ ودعاة السلفية بهدف الإساءة إلى هذا التيار المنتشرة بقوة داخل المجتمع المصري.