في حوار متنوع ومتعدد المشارب، التقت صحيفة (تواصل)، فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان بن محمد العمر. حيث طوفنا معه على عدد كبير من القضايا التي تهم الأمة الإسلامية في راهنها ومستقبلها، إضافة إلى مناقشة فضيلته حول دعوته إلى المنهج الوسطي، والكيفية التي يمكن بها أن تصل هذه الدعوة إلى شرائح المجتمع المسلم؛ لاسيما شريحة الشباب. كما تناول الحوار التصنيفات والاصطلاحات الجديدة التي باتت تطلق على المشايخ ودعاة العلم، على شاكلة الجامية والسلفية وغيرهما ومرجعيتها ومسبباتها.. وتوقفت نقاط الحوار أيضا عند محطة الإعلام الجديد ومدى الفائدة التي قدمها للمشايخ ودعاة العلم، كما تم التعريج على قضية المرأة "تعيينها كعضو في مجلس الشورى"، ولم يتوقف التطواف الحواري الشائق مع فضيلته عند حدود الأزمة السورية والحرب الدائرة هناك، ولا عند أدوار (رابطة علماء المسلمين) آنيا وفي المستقبل أو الزيارات الاحتسابية للمسؤولين ودور القنوات الفضائية.. فالحوار مع عالم وداعية في مكانة الشيخ والدكتور ناصر العمر ثر وعميق، والفائدة فيه متضاعفة، حتى أن من الصعب إنهاؤه.. فإلى مضابط الحوار: * فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر، نرحب بكم معنا في صحيفة (تواصل)؟ - أشكر الإخوة في (صحيفة تواصل) على إتاحة هذه الفرصة، وسأجيب عن أسئلتهم باختصار، يلاءم المقام. * تدعون دائما إلى المنهج الوسطي وألفتم كتاب "الوسطية في القرآن الكريم".. فكيف يمكن للشباب أن يفهموا القرآن في ضوء ما ذكرتم في الكتاب؟ - نعم أدعو إلى المنهج الوسطي، لأنه سمة هذه الأمة، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) سورة البقرة/ الآية 143، وفهم هذه القضية مهمٌ للشباب وغيرهم، وهو أن أصحاب الأهواء قد يأخذون بعض النصوص من القرآن أو السنة، ويلوون أعناقها لتؤيد ما يذهبون إليه، إفراطاً أو تفريطاً، غلواً أو جفاء، بينما ميزة المنهج الوسطي، أنه من سورة الفاتحة إلى سورة الناس يرسم هذا المنهج باطراد، وهذا ما عالجتُه في رسالتي (الوسطية في ضوء القرآن الكريم)، إذ بينتُ أن كل آيات القرآن تدل على منهج الوسطية، وهذا ما لا يستطيع أن يقوله من ينتزعون بعض الآيات من سياقها متوهمين أنها تؤيد مذاهبهم المنحرفة والباطلة. فإذا استطاع الإنسان أن يفهم القرآن بهذا المنطلق والوسطية الحقة فسيجد مصداق ذلك – كما قلت – في القرآن كله، وهو منهج مطرد. * تناول المفسرون القدامى كتاب الله تعالى من مختلف الجوانب الشرعية والفقهية واللغوية والبلاغية.. فهل ترى علماء العصر مقصرين في هذا الجانب بحكم تخصصك؟ نعم – كما ذكرت في سؤالك- تناول المفسرون القدامى القرآن الكريم من مختلف جوانبه الشرعية والفقهية واللغوية والبلاغية، وأرى أن العلماء المعاصرين قد قصرّوا كثيراً في هذا الجانب، مع أنه من باب إحقاق الحق هناك جهود مباركة من بعض العلماء وطلاب العلم في الكشف عن قضايا كثيرة من باب الفهم، وإلا فإن الأول لم يترك للآخر شيئاً من ناحية الأحكام وغيرها، ودَوْر العالِم أو المفسِّر أو الفقيه، هو أخذ هذه الأقوال من العلماء السابقين، والسير على منهجهم، منهج السلف الصالح. أما باب الفهم وباب التدبر بصفة خاصة، فهو باب واسع يحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل، والله أعلم. * كثر الحديث حول اتفاقية سيداو وعن تسببها في صدور بعض المتغيرات التي تتنافى مع شريعتنا الإسلامية، هل ترى أن هذا الكلام صحيح؟ وأين تكمن أسباب المشكلة وما هو الحل؟ لا شك أن اتفاقية (سيداو) اتفاقية ظالمة باغية طاغية، مخالفة للنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ودعوى أن هناك متغيرات فهذه دعوة خبيثة من أجل خداع الناس ووصول المغرضين إلى أغراضهم. فالمشكلة تكمن في عدم تطبيق نصوص الكتاب والسنة في حقوق المرأة وفي غيرها، وإلا فلو طُبِّقت هذه الحقوق لما كانت هذه الدعاوى التي يُخْدَعُ بها كثيرٌ من ضِعاف الإيمان وضعاف البصيرة، وهذا هو جوهر المشكلة والله أعلم. * المطلع على الوضع الدعوي في بلادنا يرى انحساراً وضعفاً عما كانت عليه حال الدعوة في السابق وخصوصاً في ظل تطور التقنيات وسهولة توفرها، إلامَ تعزو ذلك: أهي اتكالية من طلبة العلم وضعف في قيامهم بواجباتهم أم أنه تضييق من قبل المؤسسات الحكومية؟ طبيعة العمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولكلِّ شرَّةٌ فَتْرَةٌ»، ولذلك فأيّ عمل يكون له قوة يأتي عليه فترة انحسار وضعف، ثم يعود مرة أخرى، وهكذا. ولو تأملنا في حديث حذيفة رضي الله عنه، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا هذا المقياس وهو مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولكلِّ شرَّةٌ فَتْرَةٌ»، ولذلك علينا ألا ننزعج كثيراً من هذا الأمر، وإنما نجدّد في الأساليب والوسائل، لا في الأصول والغايات فهي ثابتة، وبهذا نعود مرة أخرى بإذن الله إلى القوة السابقة نفسها بل نبلغ مستويات أحسن وأفضل. ثم إن أسباب القوة التي كانت في الماضي والوسائل المستخدمة تتغير، فالجمود على الأساليب والوسائل الماضية قد يكون من أسباب الانحسار الذي أشرت إليه، لذا يجب أن نتقدم سريعاً ونواكب الوسائل الحديثة، لأن الوسائل يجوز فيها التجديد ما لم تعارض نصاً من نصوص الشريعة، فالعلماء يرون أن الوسائل من باب الاجتهاد وليست من باب الأصول والغايات المحررة شرعاً. وأما القول بأن هذا تضييق من الجهات الحكومية، فلا أراه في محله، نعم قد توجد هناك جهات معينة تضيق على الدعاة، لأسباب مختلفة، لكن الداعية الصادق المخلص، لا تستطيع أي جهة أن تمنعه من تحقيق أهدافه، ولهذا الأمر أصل في القرآن الكريم حيث يقول الحق جل وعلا: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) سورة النساء: الآية 97 فهؤلاء المستضعَفون لمّا ادعوا التضييق عليهم في دينهم وعقيدتهم في مكة، وأذى قريش، أجابهم الله بهذا الجواب، فإذا كان هذا في المساحة الأرضية، أن الإنسان يستطيع أن يفر بإيمانه من بلد إلى آخر حيث يأمن على دينه من الفتنة، وهكذا كان الأنبياء يهاجرون إلى بلاد أخرى (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة العنكبوت: الآية 26، فكذلك في الجانب العملي يستطيع الإنسان أن ينتقل من وسيلة إلى أخرى ويحقق ما يريد، أما دعوى التضييق، فأعتقد أن الذين يطلقونها يريدون أن يبرروا عجزهم، وقعودهم عن القيام بواجبهم. نعم أتعامل مع الواقع ولا شك فهناك من يُضَيّق ومن يَحْجُر وهناك من يَسْجُن في كثير من بلاد المسلمين، لكن المقطوع به أنه لا أحد يستطيع أن يمنع الحق منعاً باتاً، أو أن يَحُولَ دون تحقيق الإنسان غاياته المشروعة حسب الاستطاعة، ما دامت الغايات مشروعة فإنه بإذن الله يستطيع بحكمة وروية وبُعد نظر أن يحقق ما يريد، دون أن يقع في إشكالات هو في غنى عنها، ولذلك فيوسف عليه السلام قام بواجبه داخل السجن، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في كل أحواله قام بما أوجبه الله عليه، وهكذا الأنبياء على مدار التاريخ، وهم الذين قال الله فيهم سبحانه (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) سورة الأنعام: الآية 90، وهكذا سار أسلافنا وأئمتنا. * كيف يرى فضيلتكم دور رابطة علماء المسلمين.. وهل نجحت في تحقيق رسالتها الهادفة إلى توحيد صف الأمة وطرح الحلول الشافية للقضايا المعاصرة؟ هناك تطلعات كبيرة لدى رابطة علماء المسلمين، ولكن الرابطة ناشئة، فلا نستطيع أن نحكم لها أو عليها من خلال هذه السنوات القليلة، ولا أريد أن أتحدث عن أهدافها وآمالها البعيدة، لأنني أخشى أن يكون في ذلك شيء من المبالغة، أو من عدم مراعاة الواقع، لذا أقول: إنها تسير في خُطى وئيدة ثابتة، ووفقاً لبرامج محددة. ومن خلال السنوات التي مضت أشعر أنها حققت أهدافاً كبرى في جمع الكلمة، وإقامة المؤتمرات، وبيان الموقف الشرعي في النوازل، ومع ذلك ما زلنا نتطلع إلى المزيد بإذن الله، ضمن عمل مؤسسي مؤصل على منهج السلف الصالح. ومن سمات الرابطة أنها ملتزمة بمنهج السلف الصالح، منهج أهل السنة والجماعة، وتتعاون مع غيرها ضمن هذا المنهج وضمن هذا المنطلق، دون أن تحيد عنه. * هنالك نماذج ومطالب تسعى إلى تفريغ خطبة الجمعة من مضمونها وتوحيدها في جميع المساجد منعاً للخطباء من التطرق للأمور السياسية، فما رأيك في ذلك؟ لا أؤيد توحيد خطبة الجمعة، وهو توجه سياسي في بعض الدول، ولا ينبغي لها أن تُوَحّد، والصحيح أن يترك لكل بلد، ولكل مسجد أن يختار إمامُه في نطاق المنهج الصحيح، الخطبة السليمة الواقعية. والعلاج يكون في حسن اختيار الخطباء، فمتى أُحسن اختيار الخطيب، فإنه يفوّض في اختيار الخطبة المناسبة، فهكذا كان الأئمة منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، والسبب في ذلك أن البلدان تختلف ظروفها وأن المدن كذلك، بل إن أحوال الأحياء المختلفة في المدينة الواحدة قد تقتضي أن تختلف الخطبة من حيٍّ إلى آخر، لأن الخطيب يجب أن يعالج مشكلات المجتمع والأحوال التي يعيشها المصلون معه، فكيف أخطب في مسجد وأعالج قضايا بيئة أخرى! وهناك خطب شاملة كخطب الحرمين، يراعى فيها البُعد العالمي إذ يسمعها المسلمون في العالم كله، فأرى أن يترك للخطيب اختيار الخطبة ضمن أطر وخطوط شرعية واقعية، وأن يكون الخطيب مؤهلاً لهذا الأمر. * فضيلة الشيخ نسمع عن تصنيفات (إخوان، وسلفية، جامية. وغيرها)، فما رأيك في هذه التصنيفات؟ وما موقفك منها؟. هذه التصنيفات قديمة جداً، وفي أكثر الأحوال يطلقها الشانئون لتفريق الأمة، وممن جلّى هذه القضية شيخنا العلامة بكر أبو زيد –رحمه الله- في كتابه الرائع: «التصنيف بين الظن واليقين» وأنصح بقراءة كتبه رحمه الله. وهؤلاء الذين يفرقون الأمة ممن قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) سورة الأنعام: 159الآية، وفي قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) سورة الروم: الآيتان 31 – 32، ولهذا أرى ألا نشغل أنفسنا بهذه التصنيفات. وأعرف بعض الدعاة، صُنِّف بانتمائه لكل هذه الجماعات ظلماً وعدواناً! ولا يمكن في منطق العقل أن يكون شخص واحد منتسباً لهذه الجماعات كلها. إذاً هي دعاوى وتُهم، أرى أن نبتعد عنها، وأذكّر من كان منتمياً لمثل هذه الجماعات أن يتقي الله جل وعلا، ويلتزم المنهج الشرعي ومنهج السلف الصالح. وقد ذكر شيخ الإسلام وغيره، أن من صفات أهل السنة أنهم لا ينتسبون إلى جماعة معينة، بل إلى جماعة المسلمين أي جماعة الأمة فقط، وأما عدا ذلك فلا ينتسبون ولا يرضون بمثل هذه التسميات التي أشرت إليها وغيرها، وكل يوم يؤتى لنا بجديد وبجماعة جديدة، وهذا مزيد من التفريق للأمة بدون برهان، إلا ما كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، كمن ينتمون إلى جمعية خاصة تقوم بعمل خاص كجمعية التحفيظ أو الدعوة ونحوهما. وأقول لمن ابتلي بمن يصنفه، أن يقول لمن (صنّفه): (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) سورة البقرة: الآية 111. وأقول لمن يصنفون الناس أن يتقوا الله:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) سورة الأعراف: الآية 152، فهو افتراء وظلم، إلا إذا قامت البينة والشهادة على مثل ذلك فهنا أرجع للأول فأقول له اتق الله في عملك وانتسب للأمة عموماً، ولمحمد صلى الله عليه وسلم ولصحابته، فأرى أن يكون الانتساب للدين وأن يكون للمنهج ولا يكون لجماعة معينة، مما قد يؤدي إلى تحزب وإلى تعصب وإلى تفريق للقلوب، أما إذا كان للاختصاص أو التعريف فهو كالانتساب للبلد ونحوها لا حرج فيه إذا لم يكن فيه تعصب وتحزب وتفريق. * بعض الأحزاب والاتجاهات الأيدلوجية في الدول العربية ترفض فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية.. فكيف ترون ذلك؟ وما أبرز النقاط التي يتخوفون منها؟ إذا صح هذا الكلام فإن رفض هذه الاتجاهات الأيدلوجية –كما تقول- تطبيق الشريعة، أمر قديم، وهو على منهج الكفار: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) سورةالنحل: الآية 24، فهم ينفون أن يكون الله أنزل شيئاً، فهؤلاء أيضاً ينفون صلاحية الشريعة. وهم يدخلون في هذا التهديد والوعيد والحكم الشديد: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) سورة النساء: الآية 65. أما ما يتخوفون منه فهو مصالحهم، يتخوفون على أمورهم العاجلة في الدنيا، كما تخوف من سبقهم، وهذا منهج مطرد في الأمم كلها، فهم أتباع شهوات وشبهات، كما توهم إبليس أنه سوف يفقد مكانته ودخله الكبر، ورفض السجود لآدم –عليه السلام- وكذلك عبد الله بن أُبَيّ عندما رفض أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن قال ذلك ظاهراً لأنه يشعر أنه قد نُزِع منه سلطانه، -أو ما كان يؤمله- بينما الذي يتبع الإسلام ويتبع هذا الدين، ويطّبق الشرع هو الذي يحوز المكانة والمنزلة والسيادة كما بيّن الله، وبيّن رسوله صلى الله عليه وسلم. * تبنى عدد من المشايخ مقاطعة قنوات (mbc) وقنوات أخرى، ما رأيك بهذه المقاطعة؟ وهل تراها مجدية؟ نعم أرى أنها مجدية، وأنا لا أقبل الظهور في هذه القنوات، ولو لم يأت من ذلك إلا أن فيها رسالة للآخرين بأن هذه القنوات تحمل من الشرّ والسموم والفجور ما لا يحصى لكان كافياً، وهذا الموقف منطلق من قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة الأنعام: الآية 68، وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) سورة النساء:الآية 140، هاتان الآيتان العظيمتان تؤكدان هذه الحقيقة، فأرى أن مثل هذه القنوات يجب أن تُقاطَعَ وأن يُبْتَعَدَ عنها. أما قضية جدوى المقاطعة فما هي الجدوى يا أخي الكريم؟ الجدوى حقيقة في التزام الشرع، تبعك الناس أو لم يتبعوك، اقتنعوا أو لم يقتنعوا، لأن الله جلّ وعلا يقول: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) سورة البقرة: الآية 272، وقوله): وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النحل: 35، فالحق تبارك وتعالى لا يطالبنا بالنتائج، وواجبنا أن نقوم بأمر الله- جل وعلا – في حدود استطاعتنا. أذكر أن الشيخ: سليم الشيشاني –رحمه الله- زعيم الشيشان سابقاً، الذي قتله الروس الشيوعيون في قطر، سئل –كما حدثني هو نفسه-: لماذا قمت بالجهاد في وجه دولة روسية ظالمة غاشمة، وهل حققت شيئاً؟ فقال: نعم، حققنا أننا أقمنا الجهاد، أما النتائج فلم تكن للأنبياء. تأمل في سورة العصر، لما ذكر سبحانه: (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) سورة العصر: استثنى مِنَ الخسران مَنِ اتصف بأربع صفات، ليس منها تحقيق النتائج إطلاقاً، وهي: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولم يقل أن يؤمن الناس بما تدعوهم إليه من دين الله سبحانه، ولم يشترط أن تنفع برامجك! فهذا ليس لك: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) سورة الرعد: الآية 31، فكل هذا لا يُنْظَر إليه وقد بينتُ هذا بالتفصيل في كتابي (حقيقة الانتصار)، وأوضحتُ أن الانتصار العظيم هو التزام المنهج، بغض النظر، اَسْتجاب الناس أم لم يستجيبوا كما في حديث ابن عباس –رضي الله عنهما – (عُرِضَتْ عليَّ الأمَمُ، فجعَل يمرُّ النبيُّ معَه الرجلُ، والنبيُّ معَه الرجلانِ، والنبيُّ معَه الرَّهطُ، والنبيُّ ليس معَه أحدٌ) * هناك من يأخذ عليكم دعوتكم لمقاطعة هذه القنوات دون إيجاد البديل المناسب، لاسيما أن القنوات الهادفة دون المستوى المنشود وما يقدم فيها لا يوازي ما يقدم في القنوات غير الملتزمة؟ هذا غير صحيح، هناك الآن قرابة (50) قناة من القنوات النافعة، إذا كان هناك من لا يرضيه ولو قناة واحدة من هذه القنوات، فصدقني لن يرضيه شيء. ودعوى أنها دون المستوى المطلوب، فهذا الحكم حكم جائر، وأنا أعلم أن قناة من هذه القنوات الإسلامية –دون أن أسميها- لها من المشاهدين، ما يفوق بعض كبرى القنوات الموجودة في الساحة، لكن هذه الادعاءات المزورة تشيع نتيجة نقص الدراسات وبسبب الظلم والطغيان الإعلامي الفاجر،إنهم يشوهون هذه القنوات، ومع ذلك فليست العبرة بالكثرة والقلة: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) سورة هود: الآية 40، فالعبرة أن تكون هذه القناة قد التزمت المنهج الشرعي. وأما دعوى ضعف المستوى –كما يقولون- فهي تبرير ساذج، ومع ذلك فإنني أطالب الإخوة في القنوات الهادفة أن يرفعوا مستوى إنتاجهم قدر الإمكان من باب المنافسة، دون أن يبرر للآخرين عدم متابعتها بسبب تلك الدعوى. * وأين دوركم في دعمها أو مطالبة رجال الأعمال بدعمها مالياً؟ هناك وسائل كثيرة لدعم القنوات، من مؤتمرات ولقاءات عقدت وحضرت بعضها مع رجال الأعمال لدعم هذه القنوات، ولذلك إطلاق قول (أين دوركم) هذا تنقصه الحقيقة. وهنا أشير إلى نقطة أخرى، فبعض الناس ينفي الحقيقة لأنه لا يعلمها وهذا صنف قد بيّن الله تعالى عواره في قوله عز من قائل: (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) سورة يونس: الآية 39. والصحيح أن الدعاة والعلماء يجتمعون مع رجال الأعمال وهناك ندوات ومحاضرات ولقاءات من أجل دعم هذه القنوات، فهذه الدعوى لا تسلم لمن أطلقها. * قمتم بجولة خارجية في وقت سابق وكانت غزة من أبرز المحطات التي توقفتم عندها.. هلا حدثتمونا عن أبرز نتائج هذه الزيارة المميزة؟ كانت زيارتي إلى غزة مع وفد رابطة علماء المسلمين من الرحلات المميزة والحمد لله، وجاءتني رسائل من الإخوة في غزة، يقولون فيها: إنه بعد زيارة وفد الرابطة قام كثير من العلماء والدعاة بزيارة غزة، وبخاصة من المملكة العربية السعودية، التي قصر أهلها كثيراً وأنا منهم، عن زيارة إخواننا هناك، وتأخرنا في هذا الأمر، والحمد لله أن الأمر تم. وبعد هذه الزيارة التي قام بها وفد الرابطة جاءت وفود كثيرة، وعقدت لقاءات ومؤتمرات في هذا الجانب. وأما النتائج مفصلةً فأحيل الإخوة في صحيفة (تواصل) إلى موقع المسلم وموقع الرابطة، فقد نشر فيهما وفي غيرهما عن برنامج الزيارة بالتفصيل. * يتساءل البعض عن الإضافة التي تعود على الشعب الفلسطيني من وراء زيارة العلماء والمشايخ، وهل تتعدى الدعم المعنوي؟ لاشك أن زيارة العلماء لإخوانهم من باب شدّ العضد، وتفقد أحوالهم، وبيان المنهج الشرعي في بيان التعدي الظالم الغاشم من اليهود، لذلك كان لهذه الزيارة أثرها العظيم مع قصر وقتها، وسرعة إعدادها، ولذلك ستتلوها زيارات، ولدينا زيارة بإذن الله في العام القادم، لإقامة مؤتمر عالمي تشترك فيه رابطة علماء المسلمين، مع رابطة علماء فلسطين، وهذا نوع من أنواع التعاون، بالإضافة لوسائل التعاون الأخرى، من دعم الجامعات، وصمود إخواننا هناك. فزيارة الوفد لغزة لها آثارها القريبة والبعيدة ويكفي أنها زيارة من إخوة لإخوانهم، تأخروا كثيراً في زيارتهم. * هل من الممكن أن تكرر زيارة القطاع المحاصر مرة أخرى؟ نعم، كما ذكرت أننا سنزور إخواننا مرة أخرى في العام المقبل بإذن الله، بل إن بعض أعضاء الرابطة بعد زيارتنا الأولى قاموا بزيارة غزة عدت مرات، بصفة فردية أو جماعية، أما الرابطة فستقوم بزيارة أدق تحضيراً وأكبر عدداً في العام المقبل بإذن الله. * شاهدنا في الفترة الأخيرة محتسبين يقابلون وزير العمل ويناقشونه في قضايا تتعلق بسلبيات عمل المرأة وآخرين حاولوا مقابلة رئيس الديوان الملكي، ما رأيك في هذا الحراك المجتمعي؟ أؤيد هذا الحراك، لأنه من باب إنكار المنكر وزيارة وزير العمل، أو الديوان الملكي، أو غيره، أرى أنها من الأساليب الشرعية ما دامت منضبطة بالضابط الشرعي، دون إحداث خلل أو فتنة، وهؤلاء الذين ذهبوا من العلماء وطلاب العلم، ممن يلتزمون الحكمة والحمد لله، ويأتون البيوت من أبوابها، ومن سياسة الدولة المعلنة أن أبوابنا مفتوحة. * إذاً ما دامت الأبواب مفتوحة فلماذا تغلق عن الذين يأتون من أجل أن يتحدثوا عن دينهم وعن انتهاك حرمات الله؟ هل تفتح لصاحب حاجة خاصة جداً، وتغلق فيمن يطالب بحقوق الأمة والمجتمع ويريد حماية البلاد وأمنها. فأقول نعم أؤيد هذا الحراك، في كل مجال في وزارة التربية، ووزارة العمل، والديوان والإمارة. ولكن يجب أن ينضبط بالضوابط الشرعية -كما هو معروف – والذي حدث من خلال متابعاتي أن هؤلاء الذين ذهبوا قد انضبطوا انضباطاً دقيقاً، والاستفزاز والتعدي جاء من غيرهم. ومن باب العدل فإن بعض المسؤولين في بعض الوزارات كانوا يستقبلون هؤلاء المحتسبين استقبالا لائقاً ويحترمونهم ويحاورونهم ويناقشونهم وهذا هو الواجب. المهم ألا تتوقف تلك الزيارات وألا نيأس، وعلى المسؤولين أن يستقبلوهم ولا يردوهم أو يضيقوا عليهم. * أثار اختيار عضوات لمجلس الشورى السعودي جدلا واسعا مؤخرا.. فما رأي فضيلتكم في خوض المرأة غمار السياسة وترشحها في المجلس؟ لا أؤيد -إطلاقاً- ترشيح المرأة لمجلس الشورى، وهكذا بيّن علماؤنا، وبعضهم من المسؤولين في الدولة ومن أعضاء هيئة كبار العلماء، أنكروا هذا الأمر، ولذلك فأنا أنكر اختيار المرأة عضوة في مجلس الشورى جملة وتفصيلاً. * كيف تقرأ المشهد السياسي العربي إجمالا؟ المشهد السياسي العربي، تحكمه ظروف وأحوال دولية، ولا يستقر على حال، والذي يتابع الأحوال في السنوات الأخيرة يرى اضطراباً شديداً في الواقع السياسي العربي. وكما قلت في السؤال (العربي) ولم يكن إسلامياً ولو كان إسلامياً منضبطاً لانضبط بضوابط الشرع. أما الواقع السياسي العربي، فهو صدى للغرب والشرق، وهؤلاء لهم مصالحهم المتناقضة والمتعارضة، فمع كل أسف فإن سياسات كثير من الدول العربية وغيرها ليست إلا صدى مؤسفاً لما يحدث في الغرب أو لما يرغب الغرب فيه، والله المستعان. * هل فضيلتكم متفائل بانتصار الإخوة السوريين قريبا؟ ومتى تتوقع سقوط نظام الأسد؟ نعم أنا متفائل بانتصار الإخوة السوريين عاجلاً أو آجلاً وهذا مقتضى السنن الكونية. أما متى يتوقع سقوط الأسد، فلا أحب أن أحدد هذا الأمر لأنني لا أعلمه، وهذا منهج ينبغي أن نبتعد عنه فعلمه عند ربي، وألتزم بقوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) سورة محمد: الآية 4، وهو قريب بإذن الله، لكن دون أن نحدد موعداً. وليست القضية قضية الأسد فقط، إنما هو يمثل نظاماً متكاملاً نصيرياً مجوسياً باطنياً رافضياً، أمم اجتمعت على الكفر وتعاونت معها أمم أخرى كبقايا الشيوعيين في الصين وفي روسيا، ثم تآمر الغرب في الأخير، وانهزم أمام صمود هؤلاء. ولذلك على المجاهدين أن يصبروا ويثبتوا ويصابروا التزاماً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة آل عمران: الآية 200، وألا يخضعوا للمساومات السياسية. وعلى الدول العربية أن تتنبه إلى ما يراد بالمنطقة، وإلى الذي يحدث في سوريا، فهو ليس قتالاً داخل سوريا فقط، وإنما صراع دولي على أرض الشام، وله آثاره القريبة والبعيدة، فعلى الدول وبالذات المخاصمة لإيران المجوسية، وما تسعى إليه من إمبراطورية يمتد نفوذها في العالم الإسلامي وغيره، عليهم أن يتنبهوا إلى طبيعة المعركة، وأن يدعموا إخواننا في الشام دعماً قوياً فهم لا يقاتلون عن الشام فقط، بل يقاتلون عن الأمة جمعاء، ويقاتلون عن هذه الدول التي تختلف مع إيران، فإن تخلوا عنهم فسيدفعون الثمن غالياً. ومع ذلك فقد حدثت انتصارات عظيمة على الأرض وفي المبادئ فأعظم انتصار هو انتصار المبادئ، ومن ذلك انكشاف حقيقة الرافضة وحزب اللات الذي انخدع به بعض العلماء والدعاة، مع أن هناك من عرف حقيقتهم من سنوات. * هناك من يرى أن ما يحدث في بعض الدول العربية من متغيرات عبارة عن استبدال للوجوه والشعارات فقط، في حين أن الأفكار والآليات هي ذاتها.. ما رأيك؟ لا أستطيع الحكم، ولا أحب التعجل في الحكم، هناك دول قد لا يكون تغير فيها إلا الشعارات، وهناك دول تغير الأمر فيها إلى الأحسن، ودول ربما تنحدر إلى الأسوأ، كل دولة ينبغي أن تقيّم تقييماً مستقلاً، بما حدث فيها وكيف حدث وماذا يحدث؟ أما إطلاق الأحكام هكذا عموماً، إن ما جرى كله مجرد تغيير للوجوه دون الآليات)، فهو حكم متعجل، ولا ينطبق على الجميع، فالأوضاع تختلف من بلد إلى آخر. وقد زرت عدداً من بلدان الربيع العربي، فوجدت الاختلاف الكبير بين دولة ودولة، وبين منطقة وأخرى، فلا يستطيع أحد أن يقول: إن ليبيا الآن، كأيام القذافي! نعم هناك إشكالات في ليبيا، هناك من يريد أن يختطف النصر في ليبيا، كل هذا نقوله ونعلنه، ولكن شتان بين عهد القذافي الذي استمر جاثماً على أرض ليبيا وشعبها أربعين عاماً كالحة، وبين الواقع الآن مما يجدونه من خير وصحوة وتعليم، ونسأل الله أن يوفقهم ويكف عنهم شر أعدائهم. والله أعلم. * أترى فضيلة الشيخ أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة أمام الدعاة لتصدر المشهد الإعلامي، أم أن الإعلام مازال حكراً على فئة معينة كما يتداول البعض؟ لا شك في أن الإعلام الحديث أعاد إلى الدعاة والعلماء والمصلحين شيئاً من حقوقهم المسلوبة، ولبيان الفرق فقال له أحد المشايخة هنا لأورده وأخرجه ونصه مهم لأن الإشارة إليه هكذا مبهمة والقرار لكم ،أذكر واقعة جرت لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز –رحمه الله- كنت معه في يوم من الأيام في مجلسه مع بعض المشايخ، فقال له أحدهم: لماذا لا تكتب مقالاً في الموضوع الفلاني؟ فقال سأكتب بإذن الله، عسى أن ينشروه! فتعجبت وقلت له: حتى أنت تقول: عسى أن ينشروه؟ قال: نعم، الذي لا يصلح لهم لن ينشروه، وكان ذلك في عام 1414ه تقريباً. فإذا كان سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- لا ينشر الإعلام له، إلا ما يلاءم القائمين عليه، فكيف بالآخرين؟ وكذلك بعض كبار علمائنا، أعرف أنه لا يُنْشَرُ لهم إلا إذا تدخل بعض ولاة الأمر، عند الصحف! فجاء الإعلام الحديث، وجعل الحرية للجميع في للنشر ل الصحف للنشر ولهذه الحرية جوانبها الإيجابية والسلبية- فهي ليست خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً، إنما فيها الخير والشر. الشاهد أنها أتاحت لأصحاب الكلمة أن يقولوا كلمتهم دون أن تمر بتلك العوائق التي كانت تمر بها سابقاً. المهم أن نستغلها الاستغلال الأمثل، ونبتعد عما يشين. * في الفترة الأخيرة شهدنا كتابات صحفية ترفض أحاديث نبوية؟ ما تعليقك على ذلك؟ رفض الأحاديث النبوية ليس جديداً، فقد مارسه المشركون عندما ردوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، واتهموه صلى الله عليه وسلم بالجنون، وغيره، وأنه يملى عليه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) سورة النحل: الآية 103. فهؤلاء الذين يردون الأحاديث، هم في الحقيقة تبعٌ لتلك المدارس ولو اختلفت المسميات. الفرق أن أولئك كانوا من المشركين علانية، أما هؤلاء فهم من أبناء المسلمين وينتسبون إلى الإسلام، ولكنهم على منهج المعتزلة، ولا أستطيع أن أطلق حكماً عاماً فكل شخص له ظروفه، وبعض علمائنا جلّوا هذه الحقيقة، وذكروا أن رد الأحاديث الصحيحة من الزندقة ومن الإلحاد، هكذا قال علماؤنا. إذاً هذا الأمر ليس بجديد، كل ما في الأمر، أنه في بلادنا كان يؤدب من يعتدي على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع كل أسف نرى ضعفاً في تأديب هؤلاء، ولذلك تراهم يسرحون ويمرحون دون أن يلتزمون بهذا الأمر، مع أنهم يخالفون المنهج الذي قامت عليه هذه الدولة، يخالفون الاتفاق بين الإمامين محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله. ولذلك فكل من يخالف هذا المنهج فهو يهدد أمن البلد، وهو يهدد ما قامت عليه هذه البلاد، وكل بلد فقد أصوله التي قام عليها، فنهايته معروفة. ولذلك على ولاة الأمر أن يقفوا موقفاً حازماً تجاه هؤلاء السفهاء، واليوم قرأ إمامنا في صلاة الفجر: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً) سورة الجن: الآية 4، فتعجبت من هذا المنطق الرائع لإخواننا من الجن، فسموا ذلك الذي يشّط على الله بالقول وعلى رسوله سموه سفيهاً. ونحن نسأل الله تعالى ألا ينطبق علينا قوله سبحانه: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) سورة الإسراء: الآية 16فعلى ولاة الأمر –كما قلت- أن يقفوا موقفاً حازماً من هذه الحفنة السفيهة. وواجب الدعاة والعلماء البيان وفضح هؤلاء، وعليهم أن يردوا على شبههم التي يطرحونها بحق وبجلاء، وعدم مراعاة فلان وفلان. وبفضل الله فعموم المجتمع يرفض أمثال هؤلاء، ويعرف أن هؤلاء يمارسون منهجاً يخالف الشرع. * كلمة أخيرة توجهونها لقراء (تواصل)؟ أخيراً أشكر «صحيفة تواصل» على هذه الفرصة، وعليهم في موقعهم أن يتحروا الكلمة التي يطلقونها، فالناس ينظرون إلى أي كلمة تقال، فعليهم بالدقة في كلماتهم فالناس ينظرون إليهم ويتأثرون بهم، فربما يقولون كلمة لا يدركون أبعادها، فتكون آثارها سيئة وسلبية، أسأل الله أن يوفقهم ويسددهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.