الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد تحدثنا في المقالين السابقين عن أسباب الحزن، وذكرنا بعضاً من طرق علاجه وإليك – أخي القارئ – تتمة الموضوع. * تتمة علاج الحزن: 6 – حسن الظن بالله: عليك – أيها المحزون – أن تحسن الظن بربك ولو طالت مدة الكرب، فرحمة الله واسعة. – قال ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره، لا يُحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله ظنه، ذلك بأن الخير في يده. وإنّي لأرجو الله حتى كأنما *** أرى بجميل الظن ما الله صانع * ثق – أيها المحزون – بقدرة الله، ثق بسعة رحمته، ثق بعطائه؛ كم من شقي أسعده، كم من حزين أفرحه، كم من ضالٍ هداه، كم من فقير أغناه، كم من مريض شفاه، كم من محروم من الذرية سنوات فرزقه، كم من مظلوم نصره؟! 7 – التفاؤل: الفأل عبادة يحبها نبيك صلى الله عليه وسلم؛ فإذا سمع اسماً حسناً، أو كلمة طيبة، أو مرّ بمكان طيب؛ انشرح صدره من حسن الظن بالله. وقد كان صلى الله عليه وسلم يشيع الفأل والأمل في نفوس أصحابه؛ ففي غزوة الخندق، والصحابة – رضي الله عنهم – لا يأمن أحدهم أن يذهب لقضاء حاجته، وبلغت القلوب الحناجر.. في هذه اللحظة العصيبة يُبشّر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتح فارس والروم! * تفاءل – أيها المحزون – بالخير تجده، وأمّل خيراً من ربك، وابشر بنواله، ولا تنظر إلى الأمور نظرة تشاؤمية. والذي نفسه بغير جمال *** لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً * تذكّر إذا اشتدت عليك الأمور، وصعُب الحال، واختلطت الأوراق، وضاقت عليك الأرض بما رحبت (لَعَلَّ اللهَ يُحدِثُ بَعدَ ذَلِكَ أَمراً) فالشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فلا تحزن والله ربك. اصبر قليلاً فبعد العسر تيسير *** وكل أمر له وقت وتدبير وللمهيمن في حالاتنا نظر *** وفوق تدبيرنا لله تقدير 8 – الاجتهاد في العمل الصالح: فمن فضل الله سبحانه أنه يجازي عبده المؤمن بحياة طيبة في الدنيا، وجزاء حسن في الآخرة كما قال: (مَن عمل صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى وٓهُوٓ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِينَّهُ حَيَاةً طيّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) والحياة الطيبة: تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. 9 – لا تحمل همّ المستقبل: المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله، فكن ابن يومك، واجمع جدك واجتهادك في إصلاح حاضرك، واستعد لمستقبلك على الوجه الذي أُمرت به. ما مضى فات والمؤمّل غيب *** ولك الساعة التي أنت فيها 10 – الاشتغال بعمل من الأعمال، أو علم من العلوم النافعة: قال ابن القيم: الكسالى أكثر الناس هماً، وغماً، وحزناً، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النشاط والجدّ في العمل. 11 – الإحسان إلى الخلق: قال الشيخ عبدالرحمن السعدي: الإحسان إلى الناس بالقول والعمل وأنواع المعروف، يدفع الله به الهموم والغموم عن العبد. – فالإحسان إلى الناس بالقول: هو أن تكون مع الناس هيناً ليناً مفتاحاً للخير، طيب المعشر، قال صلى الله عليه وسلم: (حُرِّم على النار كُلُّ هيِّن ليِّن سهلٍ قريبٍ من الناس). – وأما الإحسان إلى الناس بالعمل: فهو باب واسع، ومن أعظمه الشفاعة لهم، والصدقة عليهم، وتفريج كروبهم ونحو ذلك. 12 – لا تغفل عن الرقية الشرعية: وهي أن ترقي نفسك، أو يرقيك غيرك بآيات أو سور من القرآن الكريم، والأدعية النبوية. ورد عن أبي سعيد الخدري: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: (نعم) قال: بسم الله أَرقيكَ من كُلِّ شيءٍ يؤذيكَ، من شرَّ كُلِّ نَفْسٍ أو عينٍ أو حاسدٍ، الله يشفيك، بسم الله أرقيك). قال الشيخ محمد بن عثيمين: قوله: (بسم الله أرقيك): يعني أقرأ عليك (من كل شيء يؤذيك): عام في كل شيء يؤذيه من مرض، أو حزن، أو همّ، أو غمّ، أو أي شيء يكون". وهذا الحديث يدلُّ على مشروعية رقية المريض، والحزين، والمهموم، وهذا أمر قد يغفل عنه الكثير! 13 – تغافل عن زلات الآخرين: عامل الناس بما يرضي ربك، واصبر على أذاهم، وتغافل عن زلاتهم، فإن حملت همّ كل زلة تعبت وأتعبت، وحزنت وأحزنت! قال علي رضي الله عنه: من لم يتغافل تنغصت عيشته. 14 – لا تنشغل بإساءة الناس لك: اعلم أنّ سعادتك ليست مرتبطة برضا الآخرين عنك، قال الشافعي: رضا الناس غاية لا تُدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه، فإنه لا سبيل إلى رضاهم. وقيل لعائشة – رضي الله عنها -: إنّ رجلاً يقول: إنك لست له بأم، قالت: صدق، أنا أم المؤمنين، وليست بأم المنافقين. * وختاماً: اسأل الله أن يجعل حياتنا عامرة بالخيرات والمسرات، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد – وللحديث بقية في المقال(4) – بإذن الله – {باختصار، من كتابي (لا تحزن والله ربك)}