يستعد التونسيون لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عديدة، حيث تنشط الأسواق، ويغدو الليل كالنهار، كله حركة وحياة في أجواء من المشاعر الدينية العميقة، ويتميز شهر رمضان هناك بمظاهر كثيرة ومتنوعة، والاحتفال به له خصوصية. ليلة القرش ولمائدة الإفطار التونسية نكهة خاصة لدى العائلات التي تصر على الحفاظ على تقاليدها وعاداتها، ومن العادات الحميدة التي تواكب هذا الشهر الكريم من ليلة دخوله التي يطلق عليها في تونس "ليلة القرش"، ما يُعِدُّه التونسيون في تلك الليلة من حلويات؛ ففي تونس يهيأ عادةً إما طبق "الرفيسة" المكوَّن من الرز المطبوخ بالتمر والزبيب، أو "المدموجة"، وهي ورقة من العجين المقلي مفتتة ومحشوة بالتمر والسكر. وفي الشمال الغربي لتونس تحضر "العصيدة" بالدقيق والعسل والسمن، أما في الساحل فتصنع الفطائر بالزبيب، في حين أن أهل الجنوب يطبخون "البركوكش" – وهو دقيق غليظ الحبات – بأنواع من الخضر. وانطلاقاً من اليوم الأول لهذا الشهر الكريم، تأخذ مائدة الإفطار صبغة خاصة، وتعدّ في هذه الأيام أطباقاً من أشهى المأكولات التونسية، أبرزها طبق "البريك" الذي يتصدر المائدة في كل البيوت وبصفة يومية، وهو عبارة عن نوع من الفطائر تصنع من أوراق الجلاش، وتتشابه مع السمبوسة، ولكنها فطائر كبيرة الحجم تُحشى بالدجاج أو اللحم في مختلف المناطق غير الساحلية، مع إضافة البصل، والبقدونس المفروم، والبطاطا، وتقلى بالزيت. روحانيات يحتل شهر رمضان مكانة روحية عميقة لدى التونسيين، حيث تمتلئ الجوامع في كل محافظات البلاد بروادها الذين يفترشون الشوارع والأحياء التي تقع بالقرب من الجوامع، وتصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن يؤمها أئمة من خريجي جامعة الزيتونة للعلوم الإسلامية. ويتسابق التونسيون عقب إفطارهم إلى حضور صلاة التراويح، ومواكبة مجالس الذكر، وحلقات الوعظ الديني، والمحاضرات، والمسامرات الدينية، وتلاوة ما تيسر من القرآن إلى جانب عدد كبير من الاختتامات والإملاءات القرآنية، وحصص لختم الحديث النبوي الشريف. مسابقة القرآن تنظم السلطات التونسية ما يزيد على ال 400 مسابقة لحفظ القرآن الكريم في مساجد البلاد كافة، لعل أشهرها المسابقة الدولية لحفظ القرآن التي تشهد مشاركة أكثر من 15 دولة عربية وإسلامية، حيث يتولى الرئيس التونسي في ختامها تسليم جائزة رئيس الجمهورية الدولية للدراسات الإسلامية وتبلغ قيمتها 25 ألف دولار. وتشهد أعرق الجوامع في البلاد، على غرار جامع الزيتونة بالعاصمة، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان، احتفالات دينية خاصة طوال شهر رمضان، وتتحول إلى قبلة لآلاف الزوار من دول عربية وإسلامية، لا سيما في الأيام العشر الأخيرة من الشهر، وليلة 27 التي تختم فيها تلاوة القرآن.